" صفحة رقم ١٧٢ "
والخلق في اصطلاح الحكماء : ملكة ( أي كيفية راسخة في النفس أي متمكنة من الفكر ) تصدر بها عن النفس أفعال صاحبها بدون تأمل.
فخلق المرء مجموع غرائز ( أي طبائع نفسية ) مؤتلفة من انطباع فكري : إما جبليّ في أصل خلقته، وإما كسبي ناشىء عن تمرّن الفكر عليه وتقلُّده إياه لاستحسانه إياه عن تجربة نفعه أو عن تقليد ما يشاهده من بواعث محبة ما شاهد. وينبغي أن يسمى اختياراً من قول أو عمل لذاته، أو لكونه مِن سيرة من يُحبه ويقتدي به ويسمى تقليداً، ومحاولته تسمى تخلقاً. قال سالم بن وابصة :
عليك بالقصيد فيما أنتَ فاعله
إن التخلُّق يأتي دونَه الخُلُق
فإذا استقر وتمكن من النفس صار سجية له يجري أعماله على ما تمليه عليه وتأمره به نفسه بحيث لا يستطيع ترك العمل بمقتضاها، ولو رام حملَ نفسه على عدم العمل بما تمليه سجيته لاستصغر نفسه وإرادته وحقر رأيه. وقد يتغير الخلق تغييراً تدريجياً بسبب تجربة انجرار مضرة من داعيه، أو بسبب خوف عاقبة سيئة من جرّائه بتحذيرِ مَن هو قدوة عنده لاعتقاد نصحه أو لخوف عقابه. وأول ذلك هو المواعظ الدينية.
ومعنى الآية على هذا يجوز أن يكون المحكيُّ عنهم أرادوا مدحاً لما هم عليه من الأحوال التي أصروا على عدم تغييرها فيكون أرادوا أنها خُلُق أسلافهم وأسوتهم فلا يقبلوا فيه عذلاً ولا ملاماً، كما قال تعالى عن أمثالهم ) تريدون أن تصدّونا عما كان يعبد آباؤنا ( ( إبراهيم : ١٠ ). فالإشارة تنصرف إلى ما هم عليه الذي نهاهم عنه رسولُهم.
ويجوز أن يكونوا أرادوا ما يَدعو إليه رسولهم : أي ما هو إلا من خلُق أناس قبله، أي من عقائدهم وما راضوا عليه أنفسهم وأنه عبر عليها وانتحلها، أي ما هو بإذن من الله تعالى كما قال مشركو قريش ) إنْ هذا إلا أساطير الأولين ( ( الأنعام : ٢٥ ) والإشارة إلى ما يدعوهم إليه.
وأما على قراءة الفريق الثاني فالخَلْق بفتح الخاء وسكون اللام مصدر هو الإنشاء والتكوين، والخلق أيضاً مصدر خلق، إذا كذب في خبره، ومنه قوله تعالى :