" صفحة رقم ٢٠٧ "
ففي الحديث الصحيح أن النبي ( ﷺ ) سُئل عن الكهان فقال :( ليسوُا بشيء ) قيل : يا رسول الله فإنهم يحدثون أحياناً بالشيء يكون حقاً. فقال :( تلك الكلمة من الحق يخطفها الجِنيّ فَيَقَرُّها في أذُن وليه قَرَّ الدَّجاجة فيخلطون عليها أكثر من مائة كذبة ). فهم أفّاكون وهم متفاوتون في الكذب فمنهم أفاكون فيما يزيدونه على خبر الجن، ومنهم أفّاكون في أصل تلقي شيء من الجن، ولما كان حال الكهان قد يلتبس على ضعفاء العقول ببعض أحوال النبوءة في الإخبار عن غيب، وأسجاعهم قد تلتبس بآيات القرآن في بادىء النظر. أطنَبت الآية في بيان ماهية الكهانة وبينت أن قصاراها الإخبارُ عن أشياء قليلة قد تصدق فأينَ هذا من هدي النبي والقرآن وما فيه من الآداب والإرشاد والتعليم والبلاغة والفصاحة والصراحة والإعجاز ولا تصدي منه للإخبار بالمغيبات. كما قال :( ولا أعلم الغيب ( ( الأنعام : ٥٠ ) في آيات كثيرة من هذا المعنى.
٤ ٢٢٧ ) ) وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُو
اْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ).
كان مما حوته كِنانةُ بهتان المشركين أن قالوا في النبي ( ﷺ ) هو شاعر، فلما نَثلَتْ الآيات السابقة سِهام كنانتهم وكسرتها وكان منها قولهم : هو كاهن، لم يبق إلا إبطالُ قولهم : هو شاعر، وكان بين الكهانة والشعر جامع في خيال المشركين إذ كانوا يزعمون أن للشاعر شيطاناً يملي عليه الشعر وربما سموه الرَّئِيّ، فناسب أن يقارَن بين تزييف قولهم في القرآن : هو شعر، وقولهم في النبي ( ﷺ ) هو شاعر، وبين قولهم : هو قول كاهن، كما قرن بينهما في قوله تعالى :( وما هو بقول شاعِر قليلاً ما تُؤمنون ولا بقوللِ كاهن قليلاً ما تذّكّرون ( ( الحاقة : ٤١، ٤٢ ) ؛ فعُطف هنا قوله :( والشعراء يتبعهم الغاون ( على جملة :( تنزل على كل أفّاك أثيم ( ( الشعراء : ٢٢٢ ).
ولمّا كان حال الشعراء في نفس الأمر مخالفاً لحال الكهان إذ لم يكن لملكة الشعر اتصال مّا بالنفوس الشيطانية وإنما كان ادعاء ذلك من اختلاق بعض الشعراء أشاعوه بين عامة العرب، اقتصرت الآية على نفي أن يكون الرسول


الصفحة التالية
Icon