" صفحة رقم ٢٢٧ "
الله تعالى. فهذا التبريك تبريك ذوات لا تبريك مكان بدليل ذكر ) مَن ( الموصولة في الموضعين، وهو تبريك الاصطفاء الإلهي بالكرامة. وقيل إن قوله ) أن بورك من في النار ( إنشاء تحية من الله تعالى إلى موسى عليه السلام كما كانت تحية الملائكة لإبراهيم ) رحمتُ الله وبركاته عليكم أهل البيت ( ( هود : ٧٣ ) أي أهل هذا البيت الذي نحن فيه.
و ) سبحان الله رب العالمين ( عطف على ما نودي به موسى على صريح معناه إخباراً بتنزيه الله تعالى عما لا يليق بإلهيته من أحوال المحدثات ليعلم موسى أمرين : أحدهما أن النداء وحي من الله تعالى، والثاني أن الله منزه عما عسى أن يخطر بالبال أن جلالته في ذلك المكان. ويجوز أن يكون ) سبحان الله ( مستعملاً للتعجيب من ذلك المشهد وأنه أمر عظيم من أمر الله تعالى وعنايته يقتضي تذكُّر تنزيهه وتقديسه.
وفي حذف متعلق التنزيه إيذان بالعموم المناسب لمصدر التنزيه وهو عموم الأشياء التي لا يليق إثباتها لله تعالى وإنما يُعلم تفصيلها بالأدلة العقلية والشرعية.
فالمعنى : ونَزِّه الله تنزيهاً عن كل ما لا يليق به، ومن أول تلك الأشياء تنزيهه عن أن يكون حالاً في ذلك المكان.
وإرداف اسم الجلالة بوصف ) رب العالمين ( فيه معنى التعليل للتنزيه عن شؤون المحدثات لأنه رب العالمين فلا يشبه شأنه تعالى شؤونهم.
وضمير ) إنه ( ضمير الشأن، وجملة :( أنا الله العزيز الحكيم ( خبر عن ضمير الشأن. والمعنى : إعلامه بأن أمراً مهماً يجب علمه وهو أن الله عزيز حكيم، أي لا يغلبه شيء، لا يستصعب عليه تكوين.
وتقديم هذا بين يدي ما سيلقى إليه من الأمر لإحداث رِبَاطَة جأْش لموسى ليعلم أنه خلعت عليه النبوءة إذ ألقي إليه الوحي، ويعلم أنه سيتعرض إلى أذى وتألب عليه، وذلك كناية عن كونه سيصير رسولاً، وأن الله يؤيده وينصره على كل قوي، وليعلمَ أن ما شاهد من النار وما تلقّاه من الوحي وما سيشاهده من قلب العصا حية ليس بعجيب في جانب حكمة الله تعالى، فتلك ثلاث كنايات، فلذلك