" صفحة رقم ٢٢٩ "
نهيه عن الخوف من انتفاء موجبه. وهذا كناية عن تشريفه بمرتبة الرسالة إذ عُلّل بأن المرسلين لا يخافون لدى الله تعالى.
ومعنى ) لديّ ( في حضرتي، أي حين تلقِّي رسالتي. وحقيقة ) لدي ( مستحيلة على الله لأن حقيقتها المكان.
وإذا قد كان انقلاب العصا حية حصل حين الوحي كان تابعاً لما سبقه من الوحي، وهذا تعليم لموسى عليه السلام التخلق بخلق المرسلين من رِبَاطة الجأش. وليس في النهي حط لمرتبة موسى عليه السلام عن مراتب غيره من المرسلين وإنما هو جار على طريقة : مثلُكَ لا يبخل. والمراد النهي عن الخوف الذي حصل له من انقلاب العصا حية وعن كل خوف يخافه كما في قوله :( فاضْرِب لهم طريقاً في البَحر يَبَساً لا تخافُ درَكاً ولا تخشى ( ( طه : ٧٧ ).
والاستثناء في قوله :( إلا من ظلم ( ظاهره أنه متصل. ونسَب ابن عطية هذا إلى مقاتل وابن جُريج فيكون ) من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء ( مستثنى من عموم الخوف الواقع فعله في حيّز النفي فيعم الخوف بمعنى الرعب والخوف الذي هو خوف العقاب على الذنب، أي إلا رسولاً ظَلم، أي فَرط منه ظلم، أي ذَنب قبل اصطفائه للرسالة، أي صدر منه اعتداء بفعل ما لا يفعله مثلُه في متعارف شرائع البشر المتقرر أنها عدل، بأن ارتكب ما يخالف المتقرر بين أهل الاستقامة أنه عدل ( قبل أن يكون الرسول متعبَّداً بشرع ) فهو يخاف أن يؤاخذه الله به ويجازيه على ارتكابه وذلك مثل كيد إخوة يوسف لأخيهم، واعتداء موسى على القِبطي بالقتل دون معرفة المحق في تلك القضية ؛ فذلك الذي ظلم ثم بَدَّل حُسناً بعد سوء، أي تاب عن فعله وأصلح حاله يغفر الله له.
والمقصود من هذا الاستثناء على هذا الوجه تسكين خاطر موسى وتبشيره بأن الله غفر له ما كان فرط فيه، وأنه قبل توبته مما قاله يوم الاعتداء ) هذا من عمل الشيطان إنه عدوّ مضل مبين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ( ( القصص : ١٥، ١٦ )، فأفرغ هذا التطمين لموسى في قالَب العموم تعميماً للفائدة.
واستقامةُ نظم الكلام بهذا المعنى يكون بتقدير كلام محذوف يدل عليه التفريع


الصفحة التالية
Icon