" صفحة رقم ٢٣٥ "
المشارَك لا لقصد التعظيم بل لإخفاء المتكلم نفسه بقدر الإمكان تواضعاً كما قال سليمان عقب هذا ) عُلِّمنا منطقَ الطير وأوتينا من كل شيء ( ( النمل : ١٦ ). وجعلا تفضيلهما على كثير من المؤمنين دون جميع المؤمنين ؛ إمَّا لأنهما أرادا بالعباد المؤمنين كلّ مَن ثبت له هذا الوصف من الماضين وفيهم موسى وهارون، وكثير من الأفضل والمُساوي، وإمّا لأنهما اقتصدا في العبارة إذ لم يحيطا بمن ناله التفضيل، وإما لأنهما أرادا بالعباد أهلَ عصرهما فعبَّرا ب ) كثير من عباده ( تواضعاً لله. ثم إن كان قولهما هذا جهراً وهو الظاهر كان حجة عَلى أنه يجوز للعالم أن يذكر مرتبته في العلم لفوائد شرعية ترجع إلى أن يَحْذر الناس من الاغترار بمن ليست له أهلية من أهل الدعوى الكاذبة والجعجعة الجالبة، وهذا حكم يستنبط من الآية لأن شرع من قبلنا شرع لنا، وإن قالاه في سرهما لم يكن فيه هذه الحجة.
) ) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ ياأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَىْءٍ إِنَّ هَاذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ).
طوى خبر ملك داود وبعض أحواله إلى وفاته لأن المقصود هو قصة سليمان كما قدمناه آنفاً. وقد كان داود ملكاً على بني إسرائيل ودام ملكه أربعين سنة وتوفي وهو ابن سبعين سنة.
فخلفه سليمان فهو وارث ملكه والقائم في مقامه في سياسة الأمة وظهور الحكمة ونبوءة بني إسرائيل والسمعة العظيمة بينهم. فالإرث هنا مستعمل في معناه المجازي وهو تشبيه الأحوال الجليلة بالمال وتشبيه الخلفة بانتقال ملك الأموال لظهور أن ليس غرض الآية إفادة من انتقلت إليه أموال داود بعد قوله :( ولقد آتينا داوود وسليمان علماً وقالا الحمد لله الذي فضَّلنا ( ( النمل : ١٥ ) فتعين أن إرث المال غير مقصود فإنه غرض تافه.
وقد كان لداود أحدَ عشر ولداً فلا يختص إرثُ ماله بسليمان وليس هو أكبرهم، وكان داود قد أقام سليمان ملكاً على إسرائيل. وبهذا يظهر أن ليس في الآية ما يحتج به لجواز أن يورث مال النبي، وقد قال رسول الله ( ﷺ ) ( لا نُورث ما تركنَا صدقة )، وظاهره أنه أراد من الضمير جماعة الأنبياء وشاع على ألسنة العلماء : إنا أو نَحن معاشرَ الأنبياء لا نورث، ولا يعرف بهذا اللفظ، ووقع في كلام


الصفحة التالية
Icon