" صفحة رقم ٢٤٧ "
وقال الشيخ ابن أبي زيد في ( الرسالة ) : ولا بأس إن شاء الله بقتل النمل إذا آذت ولم يُقدَر على تركها. فقول سليمان ) لأعذبنه عذاباً شديداً ( شريعة منسوخة.
أما العقاب الخفيف للحيوان لتربيته وتأديبه كضرب الخيل لتعليم السير ونحو ذلك فهو مأذون فيه لمصلحة السير، وكذلك السبق بين الخيل مع ما فيه من إتعابها لمصلحة السير عليها في الجيوش.
و ) أو ( تفيد أحَدَ الأشياء فقوله :( أو ليأتيني بسلطان مبين ( جعله ثالث الأمور التي جعلها جزاء لغيبته وهو أن يأتي بما يدفع به العقاب عن نفسه من عذر في التخلف مقبول.
والسلطان : الحجة. والمبين : المظهر لحق المحتج بها. وهذه الزيادة من النبي سليمان استقصاء للهدهد في حقه لأن الغائب حجته معه.
وأكد عزمه على عقابه بتأكيد الجملتين ) لأعذبنه لأذبحنه ( باللام الموكدة التي تسمى لام القسم وبنون التوكيد ليَعلم الجند ذلك حتى إذا فُقِد الهدهد ولم يرجع يكون ذلك التأكيد زاجراً لباقي الجند عن أن يأتوا بمثل فَعْلته فينالهم العقاب.
وأما تأكيد جملة :( أو ليأتيني بسلطان مبين ( فلإفادة تحقيق أنه لا منجى له من العقاب إلا أن يأتي بحجة تبرّر تغيبه، لأن سياق تلك الجملة يفيد أن مضمونها عديل العقوبة. فلما كان العقاب مؤكّدا محققاً فقد اقتضى تأكيد المخرج منه لئلا يبرئه منه إلا تحقق الإتيان بحجة ظاهرة لئلا تتوهم هوادةٌ في الإدلاء بالحجة فكان تأكيد العديل كتأكيد مُعادله. وبهذا يظهر أن ) أو ( الأولى للتخيير و ) أو ( الثانية للتقسيم. وقيل جيء بتوكيد جملة :( ليأتيني ( مشاكلة للجملتين اللتين قبلها وتغليباً. واختاره بعض المحققين وليس من التحقيق.
وكتب في المصاحف ) لا أذبحنه ( بلاَم ألففٍ بعدها ألفٌ حتى يخال أنه نفي الذبح وليس بنفي، لأن وقوع نون التوكيد بعده يؤذن بأنه إثبات إذ لا يؤكد المنفي بنون التأكيد إلا نادراً في كلامهم، ولأن سياق الكلام والمعنى حارس من تطرق