" صفحة رقم ٢٦٤ "
وفي قولها :( حتى تشهدون ( كناية عن معنى : توافقوني فيما أقطعه، أي يصدر منها في مقاطع الحقوق والسياسة : إما بالقول كما جرى في هذه الحادثة، وإما بالسكوت وعدم الإنكار لأن حضور المعدود للشورى في مكان الاستشارة مغن عن استشارته إذ سكوته موافقة. ولذلك قال فقهاؤنا : إن على القاضي إذا جلس للقضاء أن يقضي بمحضر أهل العلم، أو مشاورتهم. وكان عثمان يقضي بمحضر أهل العلم وكان عُمر يستشيرهم وإن لم يَحضروا. وقال الفقهاء : إن سكوتهم مع حضورهم تقرير لحكمه.
وليس في هذه الآية دليل على مشروعية الشورى لأنها لم تحك شَرعاً إلهياً ولا سيق مساق المدح، ولكنه حكاية ما جَرى عند أمة غير متدينة بوحي إلهي ؛ غير أن شأن القرآن فيما يذكره من القَصص أن يذكر المهم منها للموعظة أو للإسوة كما قدمناه في المقدمة السابعة. فلذلك يستروح من سياق هذه الآية حسن الشورى. وتقدم ذكر الشورى في سورة آل عمران.
٣٣ ) ) قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالاَْمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ ).
جواب بأسلوب المحاورة فلذلك فُصل ولم يعطف كما هي طريقة المحاورات. أرادوا من قولهم : نحن، جماعة المملكة الذين هم من أهل الحرب. فهو من إخيار عرفاء القوم عن حال جماعاتهم ومن يفوض أمرهم إليهم. والقوة : حقيقتها ومجازها تقدم عند قوله تعالى :( فخذها بقوة في سورة الأعراف ( ١٤٥ ). وأطلقت على وسائل القوة كما تقدم في قوله تعالى : وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة في سورة الأنفال ( ٦٠ )، أي وسائل القدرة على القتال والغلبة، ومن القوة كثرة القادرين على القتال والعارفين بأساليبه.
والبأسُ : الشدة على العدوّ، قال تعالى : والصابرين في البأساء والضراء وحينَ البأس ( ( البقرة : ١٧٧ ) أي في مواقع القتال، وقال :( بأسهم بينهم شديد ( ( الحشر : ١٤ )، وهذا الجواب تصريح بأنهم مستعدون للحرب للدفاع عن ملكهم وتعريض بأنهم يميلون إلى الدفع