" صفحة رقم ٢٧٢ "
( كائن ) أو ( مستقر ) فإن ذلك الاستقرار ليس شأنه أن يصرح به. وابن عطية جعله في الآية من إظهار المقدر وهو بعيد.
ولما ذَكر الفضل أضافه إلى الله بعنوان كونه ربّه لإظهار أن فضله عليه عظيم إذ هو عبد ربه. فليس إحسان الله إليه إلا فضلاً محضاً، ولم يشتغل سليمان حين أحضر له العرش بأن يبتهج بسلطانه ولا بمقدرة رجاله ولكنه انصرف إلى شكر الله تعالى على ما منحه من فضل وأعطاه من جند مسخرين بالعلم والقوة، فمزايا جميعهم وفضلهم راجع إلى تفضيله.
وضرب حكمة خُلقية دينية وهي :( من شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كَفر فإن ربي غني كريم ( ؛ فكل متقرب إلى الله بعمل صالح يجب أن يستحضر أن عمله إنما هو لنفسه يرجو به ثواب الله ورضاه في الآخرة ويرجو دوام التفضل من الله عليه في الدنيا، فالنفع حاصل له في الدارين ولا ينتفع الله بشيء من ذلك.
فالكلام في قوله :( يشكر لنفسه ( لام الأجْل وليست اللام التي يُعدى بها فعل الشكر في نحو ) واشكُروا لي ( ( البقرة : ١٥٢ ). والمراد ب ) من كفر ( من كفر فضل الله عليه بأن عبَد غير الله، فإن الله غني عن شكره وهو كريم في إمهاله ورزقه في هذه الدنيا. وقد تقدم عند قوله فيما تقدم :( قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك ( ( النمل : ١٩ ).
والعدول عن الإضمار إلى الإظهار في قوله :( فإن ربي غني كريم ( دون أن يقول : فإنه غني كريم، تأكيد للاعتراف بتمحض الفضل المستفاد من قوله :( فضل ربي ).
٤١ ) ) قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِى
أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ ).
هذا من جملة المحاورة التي جرت بين سليمان عليه السلام وبين ملئه، ولذلك لم يعطف لأنه جرى على طريقة المقاولة والمحاورة.
والتنكير : التغيير للحالة. قال جميل :
وقالوا نراها يا جميلُ تنكّرت
وغيرها الواشي فقلت : لعلها