" صفحة رقم ٢٧٤ "
بحيث لا تفهمهم. وقالوا ذلك بَهجين بأن فيهم من له من العلم ما ليس لملأ ملكة سبأ، أي لا ننسى بما نُشاهده من بَهرجات هذه الملكة أننا في حالة عقلية أفضل. وأرادوا بالعلم علم الحكمة الذي علمه الله سليمان ورجال مملكته وتشاركهم بعض أهل سبأ في بعضه فقد كانوا أهل معرفة أنشأوا بها حضارة مبهتة.
فمعنى :( من قبلها ( إن حمل على ظاهره أن قومهم بني إسرائيل كانوا أسبق في معرفة الحكمة وحضارة الملك من أهل سبأ لأن الحكمة ظهرت في بني إسرائيل من عهد موسى، فقد سن لهم الشريعة، وأقام لهم نظام الجماعة، وعلمهم أسلوب الحضارة بتخطيط رسوم مساكنهم وملابسهم ونظام الجيش والحرب والمواسم والمحافل. ثم أخذ ذلك يرتقي إلى أن بلغ غاية بعيدة في مدة سليمان، فبهذا الاعتبار كان بنو إسرائيل أسبق إلى علم الحكمة قبل أهل سبأ، وإن أريد ب ) مِن قبلها ( القبليةُ الاعتباريةُ وهي الفضل والتفوق في المزايا وهو الأليق بالمعنى كان المعنى : إنَّا أوسع وأقوى منها علماً، كما قال النبي ( ﷺ ) ( نحن الأولون السابقون بَيْد أنهم أوتوا الكتاب من قَبْلنا ) أي نحن الأولون في غايات الهدى، وجعل مثلاً لذلك اهتداء أهل الإسلام ليوم الجمعة فقال :( وهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله إليه ). فكان الأرجح أن يكون معنى ) من قبلها ( أنّا فائتونها في العلم وبالغون ما لم تبلغه. وزادوا في إظهار فضلهم عليها بذكر الناحية الدينية، أي وكنا مسلمين دونها. وفي ذكر فعل الكون دلالة على تمكنهم من الإسلام منذ القدم.
وصدّها هي عن الإسلام ما كانت تعبد من دون الله، أي صدّها معبودها من دون الله، ومتعلق الصد محذوف لدلالة الكلام عليه في قوله :( وكنا مسلمين ). وما كانت تعبده هو الشمس. وإسناد الصدّ إلى المعبود مجاز عقلي لأنه سبب صدها عن التوحيد كقوله تعالى :( وما زادُوهم غير تتبيب ( ( هود : ١٠١ ) وقوله :( غَرَّ هؤلاء دينُهم ( ( الأنفال : ٤٩ ).
وفي ذكر فعل الكون مرتين في ) ما كانت تعبد ). و ) إنها كانت من قوم كافرين ( دلالة على تمكنها من عبادة الشمس وكان ذلك التمكن بسبب الانحدار من سلالة المشركين، فالشرك منطبع في نفسها بالوراثة، فالكفر قد أحاط بها