" صفحة رقم ١٣٦ "
وضمير ) تصيبهم ( عائد إلى القوم الذين لم يأتهم نذير من قبل. والمراد ) بما قدمت أيديهم ( ما سلف من الشرك.
والمصيبة : ما يصيب الإنسان، أي يحل به من الأحوال، وغلب اختصاصها بما يحل بالمرء من العقوبة والأذى.
والباء في ) بما قدمت أيديهم ( للسببية، أي عقوبة كان سببها ما سبق على أعمالهم السيئة. والمراد بها هنا عذاب الدنيا بالاستئصال ونحوه، وتقدم عند قوله تعالى ) فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ( في سورة النساء ( ٦٢ ). وهي ما يجترجونه من الأعمال الفاحشة.
و ( ما قدمت أيديهم ) ما اعتقدوه من الإشراك وما عملوه من آثار الشرك.
والأيدي مستعار للعقول المكتسبة لعقائد الكفر. فشبه الإعتقاد القلبي بفعل اليد تشبيه معقول بمحسوس.
وهذه الآية تقتضي أن المشركين يستحقون العقاب بالمصائب في الدنيا ولو لم يأتهم رسول لأن أدلة وحدانية الله مستقرة في الفطرة ومع ذلك فإن رحمة الله أدركتهم فلم يصبهم بالمصائب حتى أرسل إليهم رسولاً.
ومعنى الآية على أصول الأشعري وما بينه أصحاب طريقته مثل القشيري وأبي بكر ابن العربي : أن ذنب الإشراك لا عذر فيه لصاحبه لأن توحيد الله قد دعي إليه الأنبياء والرسل من عهد آدم بحيث لا يعذر بجهله عاقل فإن الله قد وضعه في الفطرة إذ أخذ عهده به على ذرية آدم كما أشار إليه قوله تعالى ) وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى كما بيناه في سورة الأعراف ( ( ١٧٢ ).
ولكن الله يرأف بعباده إذا طالت السنون وانقرضت القرون وصار الناس مظنة الغفلة فيتعهدهم ببعثة الرسل للتذكير بما في الفطرة وليشرعوا لهم ما به صلاح الأمة.
فالمشركون الذين انقرضوا قبل البعثة المحمدية مؤاخذون بشركهم ومعاقبون عليه في الآخرة ولو شاء الله لعاقبهم عليه بالدنيا بالاستئصال ولكن الله أمهلهم،


الصفحة التالية
Icon