" صفحة رقم ١٤٠ "
و ) أنما ( المفتوحة الهمزة تفيد الحصر مثل ( إنما ) المكسورة الهمزة لأن المفتوحة الهمزة فرع عن المكسورتها لفظاً ومعنى فلا محيص من إفادتها مفادها، فالتقدير فاعلم أنهم ما يتبعون إلا أهواءهم. وجيء بحرف ( إن ) الغالب في الشرط المشكوك على طريقة التهكم أو لأنها الحرف الأصلي. وإقحام فعل ) فاعلم ( للاهتمام بالخبر الذي بعده كما تقدم في قوله تعالى ) واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ( في سورة الأنفال ( ٢٤ ).
وقوله ) أتبعه ( جواب ) فأتوا ( أي إن تأتوا به أتبعه، وهو مبالغة في التعجيز لأنه إذا وعدهم بأن يتبع ما يأتون به فهو يتبعهم أنفسهم وذلك مما يوفر دواعيهم على محاولة الإتيان بكتاب أهدى من كتابه لو استطاعوه فإن لم يفعلوا فقد حق عليهم الحق ووجبت عليهم المغلوبية فكان ذلك أدل على عجزهم وأثبت في إعجاز القرآن.
وهذا من التعليق على ما تحقق عدم وقوعه، فالمعلق حينئذ ممتنع الوقوع كقوله ) قل إن كان للرحمان ولد فأنا أول العابدين ( ( الزخرف : ٨١ ). ولكونه ممتنع الوقوع أمر الله رسوله أن يقوله. وقد فهم من قوله ) فإن لم يستجيبوا ( ومن إقحام ) فاعلم ( أنهم لا يأتون بذلك البتة وهذا من الإعجاز بالإخبار عن الغيب.
وجاء في آخر الكلام تذييل عجيب وهو أنه لا أحد أشد ضلالاً من أحد اتبع هواه المنافي لهدى الله.
و ) من ( اسم استفهام عن ذات مبهمة وهو استفهام الإنكار فأفاد الانتفاء فصار معنى الاسمية الذي فيه في معنى نكرة في سياق النفي أفادت العموم فشمل هؤلاء الذين اتبعوا أهواءهم وغيرهم. وبهذا العموم صار تذييلاً وهو كقوله تعالى ) ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ( في سورة البقرة ( ١٤٠ ).
وأطلق الاتباع على العمل بما تمليه إرادة المرء الناشئة عن ميله إلى المفاسد والأضرار تشبيهاً للعمل بالمشي وراء السائر، وفيه تشبيه الهوى بسائر، والهوى مصدر لمعنى المفعول كقول جعفر بن عُلبة :
هواي مع الركب اليمانين مصعد


الصفحة التالية
Icon