" صفحة رقم ٢١٢ "
هو أنهم آمنوا وعملوا الصالحات وهو على الوجه إظهار في مقام الإضمار لنكتة هذا الإيماء.
فالجزاء فضل لأن العبد إذا امتثل أمر الله فإنما دفع عن نفسه تبعة العصيان ؛ فأما الجزاء على طاعة مولاه فذلك فضل من المولى، وغفران ما تقدم من سيئاتهم فضل عظيم لأنهم كانوا أحقاء بأن يؤاخذوا بما عملوه وبأن إقلاعهم عن ذلك في المستقبل لا يقتضي التجاوز عن الماضي لكنه زيادة في الفضل.
وانتصب ) أحسنَ ( على أنه وصف لمصدر محذوف هو مفعول مطلق من فعل ) لنجزينهم ). والتقدير : ولنجزينهم جزاءً أحسن.
وإضافته إلى ) الذي كانوا يعملون ( لإفادة عِظَم الجزاء كله فهو مقدَّر بأحسن أعمالهم. وتقدير الكلام : لنجزينهم عن جميع صالحاتهم جزاء أحسن صالحاتهم. وشمل هذا من يكونون مشركين فيؤمنون ويعملون الصالحات بعد نزول هذه الآية.
( ٨ ٩ ).
لم يترك القرآن فاذَّة من أحوال علائق المسلمين بالمشركين إلا بين واجبهم فيها المناسب لإيمانهم، ومن أشد تلك العلائق علاقة النسب فالنسب بين المشرك والمؤمن يستدعي الإحسان وطيب المعاشرة ولكن اختلاف الدين يستدعي المناواة والمغاضبة ولا سيما إذا كان المشركون متصلبين في شركهم ومشفقين من أن تأتي دعوة الإسلام على أساس دينهم فهم يلحقون الأذى بالمسلمين ليقلعوا عن متابعة الإسلام، فبيّن الله بهذه الآية ما على المسلم في معاملة أنسبائه من المشركين. وخص بالذكر منها نسب الوالدين لأنه أقرب نسب فيكون ما هو دونه أولى بالحكم الذي يشرع له.
وحدثت قضية أو قضيتان دعتا إلى تفصيل هذا الحكم. رُوي أن سعد بن