" صفحة رقم ٢١٤ "
الإحسان إلى الوالدين وبين إلغاء أمرهما بما لا يرجع إلى شأنهما.
والتوصية : كالإيصاء، يقال : أوصى ووصّى، وهي أمر بفعل شيء في مغيب الآمر به ففي الإيصاء معنى التحريض على المأمور به، وتقدم في قوله تعالى ) الوصية للوالدين ( ( البقرة : ١٨٠ ) وقوله ) وأوصى بها إبراهيم ( في البقرة ( ١٣٢ ).
وفعل الوصاية يتعدى إلى الموصى عليه بالباء، تقول : أوصى بأبنائه إلى فلان، على معنى أوصى بشؤونهم، ويتعدى إلى الفعل المأمور به بالباء أيضاً وهو الأصل مثل ) وأوصى بها إبراهيم بَنِيه ( ( البقرة : ١٣٢ ). فإذا جُمع بين الموصى عليه والموصى به تقول : أوصى به خيراً وأصله : أوصى به بخير له فكان أصل التركيب بدل اشتمال. وغلب حذف الباء من البدل اكتفاء بوجودها في المبدل منه فكذلك قوله تعالى هنا ) ووصينا الإنسان بوالديه حُسْناً ( تقديره : وصينا الإنسان بوالديه بِحُسن، بنزع الخافض.
والحسن : اسم مصدر، أي بإحسان. والجملة ) وإن جاهداك لِتُشرِك بي ( عطف على جملة ) وصينا ( وهو بتقدير قول محذوف لأن المعطوف عليه فيه معنى القول.
والمجاهدة : الإفراط في بذل الجهد في العمل، أي ألحَّا لأجل أن تشرك بي.
والمراد بالعلم في قوله :( ما ليس لك به علم ( العلم الحق المستند إلى دليل العقل أو الشرع، أي أن تشرك بي أشياء لا تجد في نفسك دليلاً على استحقاقها العبادة كقوله تعالى ) فلا تسألني ما ليس لك به علم ( ( هود : ٤٦ )، أي علم بإمكان حصوله. وفي ( الكشاف ) : أن نفي العلم كناية عن نفي المعلوم، كأنه قال : أن تشرك بي شيئاً لا يصح أن يكون إلهاً، أي لا يصح أن يكون معلوماً يعني أنه من باب قولهم : هذا ليس بشيء كما صرح به في تفسير سورة لقمان ( ٣٠ ) كقوله تعالى ) ما يدعون من دونه الباطل.
وجملة : إليّ مرجعكم ( مستأنفة استئنافاً بيانياً لزيادة تحقيق ما أشارت إليه مقدمة الآية من قوله ) ووصينا الإنسان بوالديه حسناً (، لأن بقية الآية لما آذنت بفظاعة أمر الشرك وحذرت من طاعة المرء والديه فيه كان ذلك مما يثير


الصفحة التالية
Icon