" صفحة رقم ٢٣٥ "
الإنجاء آيات ولم يجعل آية واحدة لأنه آية لكل من شهده من قومه ولأنه يدل على قدرة الله، وكرامة رسوله، وتصديق وعده، وإهانة عدوه، وأن المخلوقات كلها جليلها وحقيرها مسخرة لقدرة الله تعالى.
وجيء بلفظ ) قوم يؤمنون ( ليدل على أن إيمانهم متمكن منهم ومن مقومات قوميتهم كما تقدم في قوله ) لآيات لقوم يعقلون ( في سورة البقرة ( ١٦٤ ). فذلك آيات على عظيم عناية الله تعالى برسله فصدَّق أهل الإيمان في مختلف العصور. ففي قوله ) لقوم يؤمنون ( تعريض بأن تلك الآيات لم يصدق بها قوم إبراهيم لشدة مكابرتهم وكون الإيمان لا يخالط عقولهم.
( ٢٥ ).
يجوز أن تكون مقالته هذه سابقة على إلقائه في النار وأن تكون بعد أن أنجاه الله من النار. والأظهر من ترتيب الكلام أنها كانت بعد أن أنجاه الله من النار، أراد به إعلان مكابرتهم الحق وإصرارهم على عبادة الأوثان بعد وضوح الحجة عليهم بمعجزة سلامته من حرق النار. وتقدم ذكر الأوثان قريباً.
ومحط القصر ب ) إنما ( هو المفعول لأجله ؛ أما قصر المعبودات من دون الله على كونها أوثاناً فقد سبق في قوله ) إنما تعبدون من دون الله أوثاناً ( ( العنكبوت : ١٧ ) أي ما اتخذتم أوثاناً إلا لأجل مودّة بعضكم بعضاً. ووجه الحصر أنه لم تبق لهم شبهة في عبادة الأوثان بعد مشاهدة دلالة صدق الرسول الذي جاء بإبطالها فتمحض أن يكون سبب بقائهم على عبادة الأوثان هو مودة بعضهم بعضاً الداعية لإباية المخالفة. والمودة : المحبة والإلف. ويتعين أن يكون ضمير ) بينكم ( شاملاً للأوثان.
والمودة : المحبة. فهؤلاء القوم يحب بعضهم بعضاً فلا يخالفه وإن لاح له أنه على ضلال، ويحبون الأوثان فلا يتركون عبادتها وإن ظهرت لبعضهم دلالة بطلان إلهيتها قال تعالى ) ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبّونهم كحب الله ( ( البقرة : ١٦٥ ).


الصفحة التالية
Icon