" صفحة رقم ٨١ "
علمت أنه نجا. وهذا المحمل يساعده أيضاً ما شاع من قولهم : فلان خلي البال : إذا كان لا هم بقلبه. وهو تفسير أبي عبيدة والأخفش والكسائي وهذا أحسن ما فسرت به وهو من معنى الثناء عليها بثباتها. وعن ابن عباس من طرق شتى أنه قال : فارغاً من كل شيء إلا ذكر موسى. وفي هذا شيء من رباطة جاشها إذ فرغ لبها من كل خاطر يخطر في شأن موسى.
وأما زيادة ما أداه الاستثناء بقوله : إلا ذكر موسى، فلعله انتزعه من قوله ) إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ( وإلا فليس في الآية ما يؤذن بذلك الاستثناء. وهذا التفسير يقتضي الجمع بين الثناء عليها بحسن ثقتها بالله والإشارة إلى ضعف الأمومة بالتشوق إلى ولدها وإن كانت عالمة بأنه يتقلب في أحوال صالحة به وبها.
وأما الأقوال الراجعة إلى الناحية الثانية فقال ابن عطية والقرطبي عن ابن القاسم عن مالك : الفراغ هو ذهاب العقل. قال ابن عطية : هو كقوله تعالى ) وأفئدتهم هواء ( ( إبراهيم : ٤٣ ) أي لا عقول فيها. وفي ( الكشاف ) : أي لما سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها لما دهمها من فرط الجزع. وقال ابن زيد والحسن وابن إسحاق : أصبح فارغاً من تذكر الوعد الذي وعدها الله إذ خامرها خاطر شيطاني فقالت في نفسها : إني خفت عليه من القتل فألقيته بيدي في يد العدو الذي أمر بقتله. قال ابن عطية : وقالت فرقة : فارغاً من الصبر. ولعله يعني من الصبر على فقده. وكل الأقوال الراجعة إلى هذه الناحية ترمي إلى أن أم موسى لم تكن جلدة على تنفيذ ما أمرها الله تعالى وأن الله تداركها بوضع اليقين في نفسها.
وجملة ) إن كادت لتُبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ( تكون بالنسبة للتفسير الأول استئنافاً بيانياً لما اقتضاه فعل ) أصبح ( من أنها كانت على حالة غير حالة فراغ فبينت بأنها كانت تقارب أن تظهر أمر ابنها من شدة الاضطراب فإن الاضطراب ينم بها.
فالمعنى : أصبح فؤادها فارغاً، وكادت قبل ذلك أن تبدي خبر موسى في مدة إرضاعه من شدة الهلع والإشفاق عليه أن يقتل. وعلى تفسير ابن عباس تكون جملة ) إن كادت ( بمنزلة عطف البيان على معنى ) فارغاً ). وهي دليل على الاستثناء المحذوف. فالتقدير : فارغاً إلا من ذكر موسى فكادت


الصفحة التالية
Icon