" صفحة رقم ٩٧ "
تدبير، وأن الناظر البصير في آثار ذلك التدبير يقتبس منها دلالة على صدق الرسول في دعوته كما أشار إليه قوله تعالى ) فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون ( ( يونس : ١٦ ). وإن أوضح تلك المظاهر هو مظهر استقامة السيرة ومحبة الحق، وأن دليل عناية الله بمن اصطفاه لذلك هو نصره على أعدائه ونجاته مما له من المكائد. وفي ذلك كله مثل للمشركين لو نظروا في حال محمد ( ﷺ ) في ذاته وفي حالهم معه. ثم ) إن ( في قوله تعالى ) إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ( الآية إيماء إلى أن رسوله ( ﷺ ) سيخرج من مكة وأن الله منجيه من ظالميه.
( ٢٢ ).
هذه هجرة نبوية تشبه هجرة إبراهيم عليه السلام إذ قال ) إني مهاجر إلى ربي ( ( العنكبوت : ٢٦ ). وقد ألهم الله موسى عليه السلام أن يقصد بلاد مدين إذ يجد فيها نبيئاً يبصره بآداب النبوءة ولم يكن موسى يعلم إلى أين يتوجه ولا من سيجد في وجهته كما دل عليه قوله ) عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ).
فقوله تعالى ) ولما توجه تلقاء مدين ( عطف على جمل محذوفة إذ التقدير : ولما خرج من المدينة هائماً على وجهه فاتفق أن كان مسيره في طريق يؤدي إلى أرض مدين حينئذ قال ) عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ). قال ابن عباس : خرج موسى ولا علم له بالطريق إلا حسن ظن بربه.
و ) توجه ( : ولى وجهه، أي استقبل بسيره تلقاء مدين.
و ) تلقاء ( : أصله مصدر على وزن التفعال بكسر التاء، وليس له نظير في كسر التاء إلا تمثال، وهو بمعنى اللقاء والمقاربة. وشاع إطلاق هذا المصدر على جهته فصار من ظروف المكان التي تنصب على الظرفية. والتقدير : لما توجه جهة تلاقي مدْيَن، أي جهة تلاقي بلاد مدين، وقد تقدم قوله تعالى ) وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار ( في سورة الأعراف ( ٤٧ ).


الصفحة التالية
Icon