" صفحة رقم ١١٠ "
الأقوات بمكة والحجاز كما يقتضيه سَوْق هذه الموعظة في هذه السورة المفتتحة ب ) غُلِبَتتِ الرومُ ( ( الروم : ٢ ).
فموقع هذه الجملة على هذا الوجه موقع الاستئناف البياني لسبب مسِّ الضر إياهم حتى لجأوا إلى الضراعة إلى الله، وما بينها وبين جملة ) وإذا مسّ الناسَ ضرّ ( ( الروم : ٣٣ ) إلى آخره اعتراض واستطراد تخلل في الاعتراض. ويجوز أن يكون موقعها موقع الاعتراض بين ذكر ابتهال الناس إلى الله إذا أحاط بهم ضر ثم إعراضهم عن عبادته إذا أذاقهم منه رحمةً وبين ذكر ما حلّ بالأمم الماضية اعتراضاً ينبىء أن الفساد الذي يظهر في العالم ما هو إلا من جراء اكتساب الناس وأن لو استقاموا لكان حالهم على صلاح.
و ) الفساد : سوء الحال، وهو ضد الصلاح، ودل قوله : في البر والبحر ( على أنه سوء الأحوال في ما ينتفع به الناس من خيرات الأرض برها وبحرها. ثم التعريف في ) الفساد :( إما أن يكون تعريف العهد لفساد معهود لدى المخاطبين، وإما أن يكون تعريف الجنس الشامل لكل فساد ظهر في الأرض برِّها وبحرِها أنه فساد في أحوال البر والبحر، لا في أعمال الناس بدليل قوله ) ليذيقهم بعضَ الذي عمِلوا لعلهم يرجعون.
وفساد البر يكون بفقدان منافعه وحدوث مضارّه، مثل حبس الأقوات من الزرع والثمار والكلأ، وفي مَوتان الحيوان المنتفع به، وفي انتقال الوحوش التي تصاد من جراء قحط الأرض إلى أرضين أخرى، وفي حدوث الجوائح من جراد وحشرات وأمراض.
وفساد البحر كذلك يظهر في تعطيل منافعه من قلّة الحيتان واللؤلؤ والمرجان فقد كانا من أعظم موارد بلاد العرب وكثرة الزوابع الحائلة عن الأسفار في البحر، ونضوب مياه الأنهار وانحباس فيضانها الذي به يستقي الناس. وقيل : أريد بالبر البَوادي وأهل الغمور وبالبحر المدن والقرى، وهو عن مجاهد وعكرمة وقال : إن العرب تسمي الأمصار بحراً. قيل : ومنه قول سعد بن عبادة في شأن عبد الله بن أُبَيّ ابن سلول : ولقد أجمع أهل هذه البحرة على أن يتوّجوه.


الصفحة التالية
Icon