" صفحة رقم ١١٢ "
فأخذ الاختلال يتطرق إلى نظام العالم قال تعالى :( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات ( ( التين : ٤ ٦ )، وعلى هذا الوجه يكون محمل الباء ومحمل اللام مثل محملهما على الوجه الرابع. وأطلق الظهور على حدوث حادث لم يكن، فشبه ذلك الحدوث بعد العدم بظهور الشيء الذي كان مختفياً.
ومحمل صيغة فعل ) ظهر ( على حقيقتها من المضي يقتضي أن الفساد حصل وأنه ليس بمستقبل، فيكون إشارة إلى فساد مشاهَد أو محقق الوقوع بالأخبار المتواترة. وقد تحمل صيغة الماضي على معنى توقع حصول الفساد والإنذار به فكأنه قد وقع على طريقة ) أتى أمر الله ( ( النحل : ١ ). وأيَّاً ما كان الفساد من معهود أو شامل، فالمقصود أن حلوله بالناس بقدرة الله كما دل عليه قوله ) ليذيقهم بعض الذي عملوا (، وأن الله يقدر أسبابه تقديراً خاصاً ليجازي من يغضب عليهم على سوء أفعالهم. وهو المراد بما كسبت أيديهم لأن إسناد الكسب إلى الأيدي جرى مجرى المثل في فعل الشر والسوء من الأعمال كلها، دون خصوص ما يعمل منها بالأيدي لأن ما يكسبه الناس يكون بالجوارح الظاهرة كلها، وبالحواس الباطنة من العقائد الضالة والأدواء النفسية.
و ) ما ( موصولة، وحذف العائد من الصلة، وتقديره : بما كسبته أيدي الناس، أي بسبب أعمالهم. وأعظم ما كسبته أيدي الناس من الأعمال السيئة الإشراك وهو المقصود هنا وإن كان الحكم عاماً. ويعلم أن مراتب ظهور الفساد حاصلة على مقادير ما كسبت أيدي الناس، قال رسول الله ( ﷺ ) وسُئِلَ : أي الذنب أعظم ؟ ( أن تدعُو لله نِدّاً وهو خلقك )، وقال تعالى :( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ( ( الشورى : ٣٠ ) وقال :( وأنْ لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً ( ( الجن : ١٦ ).
ويجري حكمُ تعريف ) الناس ( على نحو ما يجري في تعريف ) الفساد ( من عهد أو عموم، فالمعهود هم المشركون وقد شاع في القرآن تغليب اسم ) الناس ( عليهم.