" صفحة رقم ١١٦ "
( ٤٤ ٤٥ )
هذه الجملة تتنزل منزلة البيان لإجمال الجملة التي قبلها وهي ) فأقم وجهك للدّين القيم ( ( الروم : ٤٣ )، إذ التثبيت على الدين بعد ذكر ما أصاب المشركين من الفساد بسبب شركهم يتضمن تحقير شأنهم عند الرسول ( ﷺ ) والمؤمنين، فبين ذلك بأنهم لا يَضرون بكفرهم إلا أنفسهم، والذي يكشف هذا المعنى تقديم المسند في قوله ) فعليه كفره ( فإنه يفيد تخصيصه بالمسند إليه، أي فكفره عليه لا عليك ولا على المؤمنين، ولهذا ابتدىء بذكر حال من كَفر ثم ذُكر بعدَه ) من عمل صالحاً ). واقتضى حرف الاستعلاء أن في الكفر تبعة وشدة وضَرّاً على الكافر، لأن ( عَلى ) تقتضي ذلك في مثل هذا المقام، كما اقتضى اللام في قوله ) فلأنفسهم يمهدون ( أن لِمجرورها نفعاً وغنماً، ومنه قوله تعالى :( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ( ( البقرة : ٢٨٦ ). وقال توبة بن الحُمَيِّر :
وقد زعمت ليلى بأني فاجر
لنفسي تُقاها أو عليها فجورها
وأفرد ضمير ) كفره ( رعياً للفظ ) مَن ). وهذا التركيب من جوامع الكلم لدلالته على ما لا يحصى من المضارّ في الكفر على الكافر وأنه لا يَضُر غيره، مع تمام الإيجاز، وهو وعيد لأنه في معنى : من كفر فجزاؤه عقاب الله، فاكتفي عن التصريح بذلك اكتفاء بدلالة ( على ) من قوله ) فعليه كفره ( وبمقابلة حالهم بحال من عمل صالحاً بقوله ) ليجزي الذين ءامنوا وعملوا الصالحات من فضله ).
وأما قوله ) ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ( فهو بيان أيضاً لما في جملة ) فأقم وجهك للدّين القيّم ( ( الروم : ٤٣ ) من الأمر بملازمة التحلّي بالإسلام وما في ذلك من الخير العاجل والآجل مع ما تقتضيه عادة القرآن من تعقيب النذارة بالبشارة والترهيب بالترغيب فهو كالتكملة للبيان. وإنما قوبل ) من كَفر ( ب ) من عَمِل صَالِحاً ( ولم يقابل ب ( مَن ءامن ) للتنويه بشأن المؤمنين بأنهم أهل الأعمال الصالحة دون الكافرين. فاستغني بذكر العمل