" صفحة رقم ١٣٠ "
عجب في صدور ذلك منهم فإنهم كانوا يجيئون بمثل تلك الأوهام مدة كونهم في الدنيا، فتصرفهم أوهامهم عن اليقين، وكانوا يقسمون على عقائدهم كما في قوله :( وأقْسَموا بالله جَهْدَ أيْمَانِهم لاَ يَبْعَث الله مَنْ يَمُوت ( ( النحل : ٣٨ ) استخفافاً بالأيمان، وكذلك إشارة إلى انصرافهم عن الحق يوم البعث. والمشار إليه هو المشبه به والمشبه محذوف دل عليه كاف التشبيه، والتقدير : إفكاً مثل إفكهم هذا كانوا يُؤفكون به في حياتهم الدنيا. والمقصود من التشبيه المماثلة والمساواة.
والإفك بفتح الهمزة : الصرف وهو من باب ضرب، ويُعدى إلى الشيء المصروف عنه بحرف ( عن )، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى :( ليقولُنّ الله فأنَّى يُؤْفَكون ( في سورة العنكبوت. ولم يسند إفكهم إلى آفك معين لأن بعض صرفهم يكون من أوليائهم وأيمة دينهم، وبعضَه من طبع الله على قلوبهم.
وإقحام فعل ) كانُوا ( للدلالة على أن المراد في زمان قبلَ ذلك الزمن، أي في زمن الحياة الدنيا. والمعنى : أن ذلك خلُق تخلقوا به وصار لهم كالسجية في حياتهم الدنيا حتى إذا أعاد الله إليهم أرواحهم صدر عنهم ما كانوا تخلقوا به وقال تعالى :( قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَني أعْماى وقَد كُنْت بَصِيراً قَال كَذالِك أتَتْكَ آياتُنا فنسِيْتَها وكَذالِك اليَوْم تُنْسى وكَذالِك نَجْزِي مَنْ أسْرَف ( الآية ( طه : ١٢٥ ١٢٧ ) وفي هذا الخبر أدب عظيم للمسلمين أن يتَحامَوْا الرذائل والكبائر في الحياة الدنيا خشية أن تصير لهم خلقاً فيحشروا عليها.
جعل الله منكري البعث هدفاً لسهام التغليظ والافتضاح في وقت النشور، فلما سمع المؤمنون الذين أوتوا علم القرآن وأشرقت عقولهم في الحياة الدنيا بالعقائد


الصفحة التالية
Icon