" صفحة رقم ١٤٦ "
هو العلة للإعْراض عن آيات الكتاب الحكيم، فهم لما أثبتوا الإلهية لما لا يخلق شيئاً كانوا كمن يزعم أن الأصنام مماثلة لله تعالى في أوصافه فذلك يقتضي انتفاء وصف الحكمة عنه كما هو منتف عنها. ولذا فإن موقع هذه الآيات موقع دليل الدليل، وهو المقام المعبر عنه في علم الاستدلال بالتدقيق، وهو ذكر الشيء بدليله ودليل دليله، فالخطاب في قوله ) ترونها ( و ) بكم ( للمشركين، وقد تقدم في سورة الرعد قوله :( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها، وتقدم في أول سورة النحل قوله وألقى في الأرض رواسيَ أن تَميدَ بكم ( والمعنى خوفَ أن تميد بكم أو لئلا تُميدكم كما بين هنالك. وتقدم في سورة البقرة قوله :( وبثّ فيها من كل دابّة وتصريف الرياح ).
وقوله ) أنزلنا من السماء ماء ( وهو نظير قوله في سورة البقرة ) وما أنزل الله من السماء من ماء وقوله في سورة الرعد أنزل من السماء ماء فسالتْ أوْديَةٌ.
والالتفات من الغيبة إلى التكلم في قوله وأنزلنا ( للاهتمام بهذه النعمة التي هي أكثر دوراناً عند الناس. وضمير ) فيها ( عائد إلى الأرض.
والزوج : الصنف، وتقدم في قوله تعالى ) فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى في طه وقوله وأنبتت من كل زوج بَهيج في سورة الحج.
والكريم : النفيس في نوعه، وتقدم عند قوله تعالى إنِّي ألقِيَ إليَّ كتابٌ كريم في سورة النمل.
وقد أدمج في أثناء دلائل صفة الحكمة الامتنان بما في ذلك من منافع للخلق بقوله أن تميد بكم وبَث فيها من كل دابة ( فإن من الدواب المبثوثة ما ينتفع به الناس من أكل لحوم أوانسها ووحوشها والانتفاع بألبانها وأصوافها وجلودها وقرونها وأسنانها والحمل عليها والتجمل بها في مرابطها وغدوّها ورواحها، ثم من نعمة منافع النبات من الحب والثمَر والكلأ والكمأة. وإذ كانت البحار من جملة الأرض فقد شملَ الانتفاع بدواب البحر فالله كما أبدع الصنع أسبغ النعمة فأرانا آثار الحكمة والرحمة.