" صفحة رقم ١٥٠ "
الحكمة أطلقت على النبوءة في كثير من القرآن كقوله في داود ) وءاتيناه الحكمة وفصلَ الخطاب ( ( ص : ٢٠ ). وقد فسرت الحكمة في قوله تعالى ) ومن يُؤْت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ( ( البقرة : ٢٦٩ ) بما يشمل النبوءة. وأن الحكمة ( معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه ) وأعلاها النبوءة لأنها علم بالحقائق مأمون من أن يكون مخالفاً لما هي عليه في نفس الأمر إذ النبوءة متلقاة من الله الذي لا يعزب عن عمله شيء. وسيأتي أن إيراد قوله تعالى ) ووصينا الإنسان بوالديه ( ( لقمان : ١٤ ) في أثناء كلام لقمان يساعد هذا القول.
وذكر أهل التفسير والتاريخ أنه كان في زمن داود. وبعضهم يقول : إنه كان ابن أخت أيوب أو ابن خالته، فتعين أنه عاش في بلاد إسرائيل. وذكر بعضهم أنه كان عبداً فأعتقه سيده، وذكر ابن كثير عن مجاهد : أن لقمان كان قاضياً في بني إسرائيل في زمان داود عليه السلام، ولا يوجد ذكر ذلك في كتب الإسرائيليين. قيل كان راعياً لغنم وقيل كان نجاراً وقيل خياطاً. وفي ( تفسير ابن كثير ) عن ابن وهب أن لقمان كان عبداً لبني الحسحاس وبنو الحسحاس من العرب وكان من عبيدهم سحيم العبد الشاعر المخضرم الذي قتل في مدة عثمان.
وحكمة لقمان مأثورة في أقواله الناطقة عن حقائق الأحوال والمقرّبة للخفيات بأحسن الأمثال. وقد عني بها أهل التربية وأهل الخير، وذكر القرآن منها ما في هذه السورة، وذكر منها مالك في ( الموطأ ) بلاغين في كتاب ( الجامع ) وذكر حكمة له في كتاب ( جامع العتبية ) وذكر منها أحمد بن حنبل في ( مسنده ) ولا نعرف كتاباً جمع حكمة لقمان. وفي ( تفسير القرطبي ) قال وهب بن منبه : قرأت من حكمة لقمان أرجح من عشرة آلاف باب. ولعل هذا إن صح عن وهب بن منبه كان مبالغة في الكثرة.
وكان لقمان معروفاً عند خاصة العرب. قال ابن إسحاق في ( السيرة ) : قدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجّاً أو معتمراً فتصدى له رسول الله ( ﷺ ) فدعاه إلى الإسلام فقال له سويد : فلعل الذي معك مثل الذي معي ؟ فقال له رسول الله ( ﷺ ) وما الذي معك ؟ قال : مجلة لقمان. فقال له رسول الله ( ﷺ ) اعرِضها عليّ، فعرضها عليه، فقال : إن هذا الكلام حسن والذي


الصفحة التالية
Icon