" صفحة رقم ١٥٩ "
هو مساق الحديث ولا معنى لأخذه على ظاهره حتى نذهب إلى تجزئة البرّ بين الأم والأب أثلاثاً أو أرباعاً وهو ما استشكله القرافي في ( فائدة من الفرق الثالث والعشرين )، وحسبنا نظم هذه الآية البديع في هذا الشأن. وأما لفظ الحديث فهو مسوق لتأكيد البر بالأم خشية التفريط فيه. وليس معنى ( ثُمَّ ) فيه إلا محاكاة قول السائل ( ثُمَّ مَن ) بقرينة أنه عطف بها لفظ الأم في المرتين ولا معنى لتفضيل الأم على نفسها في البر. وإذ كان السياق مسوقاً للاهتمام تعين أن عطف الأب على الأم في المرة الثالثة عطف في الاهتمام فلا ينتزع منه ترجيح عند التعارض. ولعل الرسول عليه الصلاة والسلام علم من السائل إرادة الترخيص له في عدم البرّ. وقد قال مالك لرجل سأله : أن أباه في بلد السودان كتب إليه أن يقدم عليه وأن أمه منعته فقال له مالك : أطِعْ أباك ولا تعْصصِ أمك. وهذا يقتضي إعراضه عن ترجيح جانب أحد الأبوين وأنه متوقف في هذا التعارض ليحمل الابن على ترضية كليهما. وقال الليث : يرجح جانب الأم. وقال الشافعي : يرجح جانب الأب.
وجملة ) وفصاله في عامين ( عطف على جملة ) حملتْه أمه ( الخ، فهي في موقع الحال أيضاً. وفي الجملة تقدير ضمير رابط إياها بصاحبها، إذ التقدير : وفصالها إياه، فلما أضيف الفصال إلى مفعوله علم أن فاعله هو الأم.
والفِصال : اسم للفطام، فهو فصل عن الرضاعة. وتقدم في قوله ) فإن أرادَا فِصالاً في سورة البقرة. وذكر الفِصال في معرض تعليل حقية الأم بالبرّ، لأنه يستلزم الإرضاع من قبل الفِصال، وللإشارة إلى ما تتحمله الأم من كدَر الشفقة على الرضيع حين فصاله، وما تشاهده من حزنه وألمه في مبدأ فطامه. وذُكر لمدة فِطامه أقصاها وهو عامان لأن ذلك أنسب بالترقيق على الأم، وأشير إلى أنه قد يكون الفطام قبل العامين بحرف الظرفية لأن الظرفية تصدق مع استيعاب المظروف جميعَ الظرف، ولذلك فموقع في أبلغ من موقع ( من ) التبعيضية في قول سبَرة بن عمرو الفقعسي :


الصفحة التالية
Icon