" صفحة رقم ١٧٤ "
في قوله تعالى :( خَلَق السَّماوات بِغَير عمد ( ( لقمان : ١٠ ) فإنه بعد الاستدلال بخلق السماوات والأرض والحيوان والأمطار عاد هنا الاستدلال والامتنان بأن سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض. وقد مضى الكلام على هذا التسخير في تفسير قوله تعالى ) الله الذي خلق السماوات والأرض الآيات من سورة إبراهيم، وكذلك في سورة النحل.
ومعنى سخر لكم ( لأجلكم لأن من جملة ذلك التسخير ما هو منافع لنا من الأمطار والرياح ونور الشمس والقمر ومواقيت البروج والمنازل والاتجاه بها. والخطاب في ) ألم تروا ( يجوز أن يكون لجميع الناس مؤمنهم ومشركهم لأنه امتنان، ويجوز أن يكون لخصوص المشركين باعتبار أنه استدلال.
والاستفهام في ) ألم تروا ( تقرير أو إنكار لِعدم الرؤية بتنزيلهم منزلة من لم يروا آثار ذلك التسخير لعدم انتفاعهم بها في إثبات الوحدانية. والرؤية بصرية. ورؤية التسخير رؤية آثاره ودلائله. ويجوز أن تكون الرؤية علمية كذلك، والخطاب للمشركين كما في قوله ) خلق السماوات بغير عَمد ترونها.
وإسباغ النِعم : إكثارها. وأصل الإسباغ : جعل ما يلبس سابغاً، أي وافياً في الستر. ومنه قولهم : درع سابغة. ثم استعير للإكثار لأن الشيء السابغ كثير فيه ما يتخذ منه من سَرْد أو شُقَق أثواب، ثم شاع ذلك حتى ساوى الحقيقة فقيل : سوابغ النعم.
والنعمة : المنفعة التي يقصد بها فاعلُها الإحسان إلى غيره.
وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم وأبو جعفر نِعَمهُ ( بصيغة جمع نعمة مضاف إلى ضمير الجلالة، وفي الإضافة إلى ضمير الله تنويه بهذه النِعم. وقرأ الباقون ) نِعْمَةً ( بصيغة المفرد، ولما كان المراد الجنس استوى فيه الواحد والجمع.
والتنكير فيها للتعظيم فاستوى القراءتان في إفادة التنويه بما أسبغ الله عليهم.