" صفحة رقم ١٧٨ "
الرسول عليه الصلاة والسلام عن مداومة الفكر بالحزن لأجل كفرهم لأنه إذا قلع ذلك من نفسه انتفى إحزان كفرهم إياه. وقرأ نافع ) يُحْزِنك ( بضم التحتية وكسر الزاي مضارع أحزنه إذا جعله حزيناً. وقرأ البقية ) يَحْزُنك ( بفتح التحتية وضم الزاي مضارع حَزَنه بذلك المعنى، وهما لغتان : الأولى لغة تميم، والثانية لغة قريش، والأولى أقيس وكلتاهما فُصحى ولغة تميم من اللغات التي نزل بها القرآن وهي لغة عُلْيا تميم وهم بنو دارم كما تقدم في المقدمة السادسة. وزعم أبو زيد والزمخشري : أن المستفيض أحْزَن في الماضي ويُحْزن في المستقبل، يريدان الشائع على ألسنة الناس، والقراءة رواية وسنة. وتقدم في سورة يوسف ) إنّي لَيُحزنني وفي سورة الأنعام قد نعلم أنه ليُحزنك الذي يقولون.
وجملة إلينا مرجعهم ( واقعة موقع التعليل للنهي، وهي أيضاً تمهيد لوعد الرسول ( ﷺ ) بأن الله يتولى الانتقام منهم المدلول عليه بقوله ) فنُنبئهم ( مفرعاً على جملة ) إلينا مرجعهم ( كناية عن المجازاة ؛ استعمل الإنباء وأريد لازمه وهو الإظهار كما تقدم آنفاً.
وجملة ) إن الله عليم بذات الصدور ( تعليل لجملة ) فننبئهم بما عملوا، ( فموقع حرف ) إنّ ( هنا مغننٍ عن فاء التسبب كما في قول بشار :
إن ذاك النجاح في التبكير
و ) ذات الصدور : هي النوايا وأعراض النفس من نحو الحِقد وتدبير المكر والكفر. ومناسبته هنا أن كفر المشركين بعضُه إعلان وبعضه إسرار قال تعالى : وأسِرُّوا قولكم أو اجهَروا به إنه عليم بذات الصدور ( ( الملك : ١٣ )، وتقدم في قوله تعالى :( إنه عليم بذات الصدور في سورة الأنفال.
استئناف بياني لأن قوله ) إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا ( ( لقمان : ٢٣ ) يثير في نفوس السامعين سؤالاً عن عدم تعجيل الجزاء إليهم، فبيّن بأن الله يُمهِلُهم زمناً ثم يوقعهم


الصفحة التالية
Icon