" صفحة رقم ١٨٤ "
وفي قوله ) كنفس واحدة ( حذف مضاف دل عليه ) ما خلقكم ولا بعثكم. ( والتقدير : إلا كخلق وبعث نفس واحدة. وذلك إيجاز كقول النابغة :
وقد خِفت حتى ما تزيدُ مخافتي
على وَعِل في ذي المَطارة عاقِل
التقدير : على مخافة وعل. والمقصود : إن الخلق الثاني كالخلق الأول في جانب القدرة.
وجملة ) إن الله سميع بصير ( : إما واقعة موقع التعليل لكمال القدرة على ذلك الخلق العجيب استدلالاً بإحاطة علمه تعالى بالأشياء والأسباب وتفاصيلها وجزئياتها ومن شأن العالم أن يتصرف في المعلومات كما يشاء لأن العجز عن إيجاد بعض ما تتوجه إليه الإرادة إنما يتأتى من خفاء السبب الموصل إلى إيجاده، وإذ قد كان المشركون أو عقلاؤهم يسلمون أن الله يعلم كل شيء جعل تسليمهم ذلك وسيلة إلى إقناعهم بقدرته تعالى على كل شيء، وإما واقعة موقع الاستئناف البياني لما ينشأ عن الإخبار بأن بعثهم كنفس من تعجب فريق ممن أسروا إنكار البعث في نفوسهم الذين أومأ إليهم قوله آنفاً :( إن الله عليم بذات الصدور ( ( لقمان : ٢٣ )، ولأجل هذا لم يقل : إن الله عليم قدير.
استدلال على ما تضمنته الآية قبلَها من كون الخلق الثاني وهو البعث في متناول قدرة الله تعالى بأنه قادر على تغيير أحوال ما هو أعظم حالاً من الإنسان، وذلك بتغيير أحوال الأرض وأُفقها بين ليل ونهار في كل يوم وليلة تغييراً يشبه طُروّ الموت على الحياة في دخول الليل في النهار، وطروّ الحياة على الموت في دخول النهار على الليل، وبأنه قادر على أعظم من ذلك بما سخره من سير الشمس والقمر.
فهذا الاستدلال على إمكان البعث بقياس التمثيل بإمكان ما هو أعظم منه من شؤون المخلوقات بعد أن استدل عليه بالقياس الكلي الذي اقتضاه قوله ) إن الله