" صفحة رقم ١٨٩ "
المجتمع البشري. وتخلص منه إلى اتخاذ فريق من الناس موجبات الشكر دواعي كفر.
فكان خلق البحر على هذه الصفة العظيمة ميسراً للانتفاع بالأسفار فيه حين لا تغني طرق البر في التنقل غناء فجعله قابلاً لحمل المراكب العظيمة، وألْهَم الإنسان لصنع تلك المراكب على كيفية تحفظها من الغرق في عباب البحر، وعصمهم من توالي الرياح والموج في أسفارهم، وهداهم إلى الحيلة في مصانعتها إذا طرأت حتى تنجلي، ولذلك وصف هذا الجري بملابسة نعمة الله فإن الناس كلما مَخرت بهم الفلك في البحر كانوا ملابسين لنعمة الله عليهم بالسلامة إلا في أحوال نادرة، وقد سميت هذه النعمة أمراً في قوله ) والفلك تجري في البحر بأمره في سورة الحج، أي : بتقديره ونظام خلقه.
وتقدم تفصيله في قوله فإذا ركبوا في الفلك في سورة العنكبوت، وفي قوله : هو الذي يُسيّركم في البرّ والبحر الآيات من سورة يونس وقوله : ألم تر أن الله سخّر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره في سورة الحج.
ويتعلق ليريكم ( ب ) تجري ( أي : تجري في البحر جرياً، علةُ خَلْقه أن يريكم الله بعض آياته، أي : آياته لكم فلم يذكر متعلق الآيات لظهوره من قوله ) ليريكم ( وجريُ الفلك في البحر آية من آيات القدرة في بديع الصنع أن خلق ماء البحر بنظام، وخلق الخشب بنظام، وجعل لعقول الناس نظاماً فحصل من ذلك كله إمكان سير الفلك فوق عباب البحر. والمعنى : أن جري السفن فيه حِكم كثيرة مقصودة من تسخيره، منها أن يكون آية للناس على وجود الصانع ووحدانيته وعلمه وقدرته. وليس يلزم من لام التعليل انحصار الغرض من المعلَّل في مدخولها لأن العلل جزئيةٌ لا كلية.
وجملة ) إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( لها موقع التعليل لجملة ) ليريكم من ءاياته. ( ولها موقع الاستئناف البياني إذ يخطر ببال السامع أن يسأل : كيف لم يهتد المشركون بهذه الآيات ؟ فأفيد أن الذي ينتفع بدلالتها على