" صفحة رقم ١٩٢ "
سير الفلك وهول البحر ويجحد نعمة الله عليه بالنجاة ومن يجحد غير ذلك من آيات الله ونعمه. والمعنى : ومنهم جاحد بآياتنا. وفي الانتقال من الغيبة إلى التكلم في قوله ) بآياتنا ( التفات.
والباء في ) بآياتنا ( لتأكيد تعدية الفعل إلى المفعول مثل قوله ) وامسحوا برؤوسكم ( ( المائدة : ٦ )، وقول النابغة :
لك الخير إن وارت بك الأرض واحداً
وقوله تعالى :( وما نرسل بالآيات إلاَّ تخويفاً ( ( الإسراء : ٥٩ ).
إن لم يكن ) يا أيها الناس ( خطاباً خاصاً بالمشركين فهو عام لجميع الناس كما تقرر في أصول الفقه، فيعم المؤمن والمشرك والمعطل في ذلك الوقت وفي سائر الأزمان إذ الجميع مأمورون بتقوى الله وأن الخطوات الموصلة إلى التقوى متفاوتة على حسب تفاوت بُعد السائرين عنها، وقد كان فيما سبق من السورة حظوظ للمؤمنين وحظوظ للمشركين فلا يبعد أن تعقَّب بما يصلح لِكِلا الفريقين، وإن كان الخطاب خاصاً بالمشركين جرْياً على ما روي عن ابن عباس أن ) يا أيها الناس ( خطاب لأهل مكة، فالمراد بالتقوى : الإقلاع عن الشرك.
وموقع هذه الآية بعد ما تقدمها من الآيات موقع مقصد الخُطبة بعد مقدماتها إذ كانت المقدمات الماضية قد هيّأت النفوس إلى قبول الهداية والتأثر بالموعظة الحسنة، وإن لاصطياد الحكماء فُرصاً يحرصون على عدم إضاعتها، وأحسن مُثُلها قول الحريري في ( المقامة الحادية عشرة ) :( فلما ألحدوا الميْت، وفات قول ليت، أشرف شيخ من رُباوة، متحضرٌ بهراوة، فقال : لِمثْل هذا فليعمل العاملون، فاذكروا أيأيها الغافلون، وشمروا أيها المقصرون ) الخ... فأما القلوب القاسية، والنفوس المتعاصية، فلن تأسُوَها آسية.


الصفحة التالية
Icon