" صفحة رقم ١٩٤ "
بعد الموت أنه إذا ظهر صدق وعيد القرآن إياهم فإن من له أب مسلم أو ابن مسلم يدفع عنه هنالك بما يُدلّ به على رَبّ هذا الدين، وقد كان قاراً في نفوس العرب التعويل على المولَى والنصير تعويلاً على أن الحَمية والأنفة تدفعهم إلى الدفاع عنهم في ذلك الجمع وإن كانوا من قبل مختلفين لهم لضيق عطن أفهامهم يقيسون الأمور على معتادهم. وهذا أيضاً وجه الجمع بين نفي جزاء الوالد عن ولده وبين نفي جزاء الولَد عن والده ليشمل الفريقين في الحالتين فلا يتوهم أن أحد الفريقين أرجى في المقصود.
ثم أوثرت جملة ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً ( بطرق من التوكيد لم تشتمل على مثلها جملة ) لا يجزي والد عن ولده ؛ ( فإنها نظمت جملة اسمية، ووُسِّط فيها ضمير الفصل، وجعل النفي فيها منصبّاً إلى الجنس. ونكتة هذا الإيثار مبالغة تحقيق عدم جَزْءِ هذا الفريق عن الآخر إذ كان معظمُ المؤمنين من الأبناء والشباببِ، وكان آباؤهم وأمهاتهم في الغالب على الشرك مثل أبي قحافة والد أبي بكر، وأبي طالب والد علي، وأم سعد بن أبي وقاص، وأم أسماء بنت أبي بكر، فأُريد حسم أطماع آبائهم وما عسى أن يكون من أطماعهم أن ينفعوا آباءهم في الآخرة بشيء. وعبر فيها ب ) مولود ( دون ( ولد ) لإشعار ) مولود ( بالمعنى الاشتقاقي دون ( ولد ) الذي هو اسم بمنزلة الجوامد لقصد التنبيه على أن تلك الصلة الرقيقة لا تخول صاحبها التعرض لنفع أبيه المشرك في الآخرة وفاء له بما تُومىء إليه الموْلُودية من تجشّم المشقة من تربيته، فلعله يتجشم الإلحاح في الجزاء عنه في الآخرة حسماً لطمعه في الجزاء عنه، فهذا تعكيس للترقيق الدنيوي في قوله تعالى ) وقل ربّ ارحمهما كما رَبَّيَاني صغيراً ( ( الإسراء : ٢٤ ) وقوله :( وصاحبْهما في الدنيا معروفاً ( ( لقمان : ١٥ ).
وجملة ) إن وعد الله حق ( علة لجملتي ) اتقوا ربّكم واخْشَوْا يوماً. ووعدُ الله : هو البعث، قال تعالى : ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخِرون عنه ساعةً ولا تستقدمون ( ( سبأ : ٢٩ ٣٠ ).
وأكد الخبر ب ) إنّ ( مُراعاة لمنكري البعث، وإذ قد كانت شبهتهم في إنكاره