" صفحة رقم ١٩٧ "
العندية شأنها الاستئثار. وتقديم ) عند ( وهو ظرف مسند على المسند إليه يُفيد التخصيص بالقرينة الدالة على أنه ليس مراد به مجرد التقوي.
وجملة ) وينزل الغيث ( عطف على جملة الخبر. والتقدير : وإن الله ينزل الغيث، فيفيد التخصيص بتنزيل الغيث. والمقصود أيضاً عنده علم وقت نزول الغيث وليس المقصود مجرد الإخبار بأنه ينزل الغيث لأن ذلك ليس مما ينكرونه ولكن نُظمت الجملة بأسلوب الفعل المضارع ليحصل مع الدلالة على الاستئثار بالعلم به الامتنان بذلك المعلوم الذي هو نعمة.
وفي اختيار الفعل المضارع إفادة أنه يجدد إنزال الغيث المرة بعد المرة عند احتياج الأرض. ولا التفاتَ إلى من قدروا :( ينزل الغيث، بتقدير ( أنْ ) ( المصدرية على طريقة قول طرفة :
ألا أيهذا الزاجري احضُر الوغى
للبون بين المقامين وتفاوت الدرجتين في البلاغة. وإذ قد جاء هذا نسقاً في عداد الحصر كان الإتيان بالمسند فعلاً خبراً عن مسند إليه مقدم مفيداً للاختصاص بالقرينة ؛ فالمعنى : وينفرد بعلم وقت نزول الغيث من قرب وبعد وضبط وقت.
وعطف عليه ) ويعلم ما في الأرحام ( أي : ينفرد بعلم جميع أطواره من نطفة وعلقة ومضغة ثم من كونه ذكراً أو أنثى وإبان وضعه بالتدقيق. وجيء بالمضارع لإفادة تكرر العلم بتبدل تلك الأطوار والأحوال. والمعنى : ينفرد بعلم جميع تلك الأطوار التي لا يعلمها الناس لأنه عطف على ما قصد منه الحصر فكان المسند الفعلي المتأخر عن المسند إليه مفيداً للاختصاص بالقرينة كما قلنا في قوله تعالى :( والله يقدّر الليل والنهار.
وأما قوله وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت ( فقد نسج على منوال آخر من النظم فجعل سَداه نفي علم أيَّة نفس بأخص أحوالها وهو حال اكتسابها القريب منها في اليوم الموالي يوم تأملها ونظرها، وكذلك مكانُ انقضاء حياتها للنداء عليهم بقلة علمهم ؛ فإذا كانوا بهذه المثابة في