" صفحة رقم ٢١١ "
لما كان الركن الأعظم من أركان هدى الكتاب هو إثبات الوحدانية للإله وإبطال الشرك عُقب الثناء على الكتاب بإثبات هذا الركن.
وجيء باسم الجلالة مبتدأ لإحضاره في الأذهان بالاسم المختص به قطعاً لدابر عقيدة الشريك في الإلهية، وخَبَرُ المبتدأ جملة ﴿مَا لَكُم مِّن دُونِهِا مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ ﴾، ويكون قوله: ﴿الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ صفة لاسم الجلالة.
وجيء باسم الموصول للإيماء إلى وجه بناء الخبر وأنه الانفراد بالربوبية لجميع الخلائق في السماوات والأرض وما بينهما، ومن أولئك المشركون المعنيون بالخبر، والخطاب موجه إلى المشركين على طريقة الالتفات.
والوليّ: مشتق من الولاء، بمعنى: العهد والحلف والقرابة. ومن لوازم حقيقة الولاء النصر والدفاع عن المولَى. وأُريد بالولي: المشارك في الربوبية.
والشفيع: الوسيط في قضاء الحوائج من دفع ضرّ أو جلب نفع. والمشركون زعموا أن الأصنام آلهة شركاء لله في الإلهية ثم قالوا: ﴿هَا ؤُلاءِ شُفَعَا ؤُنَا عِندَ اللَّهِ ﴾ (يونس: ١٨) وقالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ (الزمر: ٣).
و﴿مِنَ﴾ في قوله ﴿مِّن دُونِهِ ﴾ ابتدائية في محل الحال من ضمير ﴿لَكُمُ﴾، و(دون) بمعنى غَير، و﴿مِنَ﴾ في قوله ﴿مِن وَلِيٍّ﴾ زائدة لتأكيد النفي، أي: لا وليّ لكم ولا شفيع لكم غير الله فلا ولاية للأصنام ولا شفاعة لها إبطالاً لما زعموه لأصنامهم من الوصفين إبطالاً راجعاً إلى إبطال الإلهية عنها. وليس المراد أنهم لا نصير لهم ولا شفيع إلا الله لأن الله لا ينصرهم على نفسه ولا يشفع لهم عند نفسه، قال الله تعالى: ﴿ذَالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ﴾ (محمد: ١١) وقال: ﴿مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُا إِلا بِإِذْنِهِا ﴾ (البقرة: ٢٥٥).
وتقدم تفسير نظيره ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ وبيان تأويل ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ في سورة الأعراف.


الصفحة التالية
Icon