" صفحة رقم ٢١٧ "
وإضافة الروح إلى ضمير الجلالة للتنويه بذلك السر العجيب الذي لا يعلم تكوينه إلا هو تعالى، فالإضافة تفيد أنه من أشد المخلوقات اختصاصاً بالله تعالى وإلا فالمخلوقات كلها لله.
والنفخ: تمثيل لسريان اللطيفة الروحانية في الكثيفة الجسدية مع سرعة الإيداع، وقد تقدم في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُا وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى﴾ في سورة الحجر.
والانتقال من الغيبة إلى الخطاب في قوله: ﴿وَجَعَلَ لَكُم﴾ التفات لأن المخاطبين من أفراد الناس وجَعْل السمع والأبصار والأفئدة للناس كلهم غير خاص بالمخاطبين فلما انتهض الاستدلال على عظيم القدرة وإتقان المراد من المصنوعات المتحدث عنهم بطريق الغيبة الشامل للمخاطبين وغيرهم ناسب أن يُلتفت إلى الحاضرين بنقل الكلام إلى الخطاب لأنه آثرُ بالامتنان وأسعدُ بما يرد بعده من التعريض بالتوبيخ في قوله ﴿قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ﴾. والامتنان بقوى الحواس وقوى العقل أقوى من الامتنان بالخلق وتسويته لأن الانتفاع بالحواس والإدراك متكرر متجدد فهو محسوس بخلاف التكوين والتقويم فهو محتاج إلى النظر في آثاره.
والعدول عن أن يقال: وجعلكم سامعين مبصرين عالمين إلى ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالابْصَارَ وَالافْاِدَةَ ﴾ لأن ذلك أعرق في الفصاحة، ولما تؤذن به اللام من زيادة المنة في هذا الجعل إذ كان جعلاً لفائدتهم ولأجلهم، ولما في تعليق الأجناس من السمع والأبصار والأفئدة بفعل الجعل من الروعة والجلال في تمكن التصرف، ولأن كلمة ﴿الافْاِدَةِ﴾ أجمع من كلمة عاقلين لأن الفؤاد يشمل الحواس الباطنة كلها والعقل بعضٌ منها.
وأفرد ﴿السَّمْعَ﴾ لأنه مصدر لا يجمع، وجمع ﴿وَالابْصَارَ وَالافْاِدَةَ ﴾ باعتبار تعدد الناس. وتقديم السمع على البصر تقدّم وجهه عند قوله تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْا وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾ في سورة البقرة.


الصفحة التالية
Icon