" صفحة رقم ٢٢٩ "
والتجافي: التباعد والمتاركة. والمعنى: أن تجافي جنوبهم عن المضاجع يتكرر في الليلة الواحدة، أي: يكثرون السهر بقيام الليل والدعاء لله؛ وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلّم بصلاة الرجل في جوف الليل، كما سيأتي في حديث معاذ عند الترمذي.
﴿الْمَضَاجِعِ﴾ : الفرش جمع مضجع، وهو مكان الضجع، أي: الاستلقاء للراحة والنوم. وأل فيه عوض عن المضاف إليه، أي عن مضاجعهم كقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى ﴾. وهذا تعريض بالمشركين إذ يمضون ليلهم بالنوم لا يصرفه عنهم تفكر بل يسقطون كما تسقط الأنعام. وقد صرح بهذا المعنى عبد الله بن رواحة بقوله يصف النبي صلى الله عليه وسلّم وهو سيد أصحاب هذا الشأن:
يبيت يجافي جنبه عن فراشه
إذا استثقلتْ بالمشركين المضاجع
وجملة ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ يجوز أن تكون حالاً من ضمير ﴿جُنُوبُهُمْ﴾ والأحسن أن تجعل بدل اشتمال من جملة ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ﴾.
وانتصب ﴿خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ على الحال بتأويل خائفين وطامعين، أي: من غضبه وطمعاً في رضاه وثوابه، أي هاتان صفتان لهم. ويجوز أن ينتصبا على المفعول لأجله، أي لأجل الخوف من ربهم والطمع في رحمته.
ولما ذكر إيثارهم التقرب إلى الله على حظوظ لذاتهم الجسدية ذكر معه إيثارهم إياه على ما به نوال لَذات أخرى وهو المال إذ ينفقون منه ما لو أبقوه لكان مجلبة راحة لهم فقال ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ أي: يتصدقون به ولو أيسر أغنياؤهم فقراءهم. ثم عظم الله جزاءهم إذ قال: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾، أي: لا تبلغ نفس من أهل الدنيا معرفة ما أعد الله لهم، قال النبي صلى الله عليه وسلّم قال الله تعالى: "أعددت لعبادي الصالحين ما لاَ عينٌ رأت ولا أذن سمعتْ ولا خَطر على قلب بشر" فدلّ على أن المراد بـ ﴿نَفْسٌ﴾ في هذه الآية أصحاب النفوس البشرية.


الصفحة التالية
Icon