" صفحة رقم ٢٣٢ "
مقابله ﴿فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ﴾ وإضافة ﴿جَنَّاتُ﴾ إلى ﴿الْمَأْوَى ﴾ من إضافة الموصوف إلى الصفة لقصد التخفيف وهي واقعة في الكلام وإن اختلف البصريون والكوفيون في تأويلها خلافاً لا طائل تحته، وذلك مثل قولهم: مسجد الجامع، وقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِىِّ﴾ (القصص: ٤٤)، وقولهم: عِشاء الآخرةِ. والمعنى: فلهم الجنات المأوى لهم، أي الموعودون بها.
وانتصب ﴿نُزُ ﴾ على الحال من ﴿جَنَّاتُ الْمَأْوَى ﴾ والنُزُل بضمتين مشتق من النزول فيطلق على ما يُعد للنزيل من العطاء والقِرى قال في "الكشاف": النزل: عطاء النازل، ثم صار عاماً، أي: يطلق على العطاء ولو بدون ضيافة مجازاً مرسلاً. قلت: ويطلق على محل نزول الضيف ولأجل هذه الإطلاقات يختلف المفسرون في المراد منه في بعض الآيات رعياً لما يناسب سياق الكلام. وفسره الزجاج في هذه الآية ونحوها بالمنزل، وفسره في قوله تعالى: ﴿أَذَالِكَ خَيْرٌ نُّزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ (الصافات: ٦٢) فقال: "يقول أذلك خير في باب الأنزال التي تمكن معها الإقامة أم نُزل أهل النار" وقد تقدم في آخر سورة آل عمران، والباء في ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ للسببية.
وقوله: كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها تقدم نظيره في سورة الحج.
ويتجه في هذه الآية أن يقال: لماذا أُظهر اسم النار في قوله ﴿ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ﴾ مع أن اسم النار تقدم في قوله ﴿فَمَأْوَا هُمُ النَّارُ ﴾ فكان مقتضى الظاهر الإضمار بأن يقال: وقيل لهم ذوقوا عذابها. وهذا السؤال أورده ابن الحاجب في "أماليه" وأجاب بوجهين: أحدهما أن سياق الآية التهديد وفي إظهار لفظ النار من التخويف ما ليس في الإضمار، الثاني: أن الجملة حكاية لما يقال لهم يومئذ فناسب أن يحكى كما قيل لهم وليس فيما يقال لهم تقدُّم ذكر النار.
إخبار بأن لهم عذاباً آخر لا يبلغ مبلغ عذاب النار الموعودين به في الآخرة


الصفحة التالية
Icon