" صفحة رقم ٢٣٨ "
حمزة والكسائي وخلف ورويس عن يعقوب بتخفيف الميم على أنها مركبة من لام التعليل و(ما) المصدرية، أي جعلناهم أيمة لأجل صبرهم وإيقانهم.
استئناف بياني لأن قوله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَا ِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ (السجدة: ٢٤) يثير سؤالاً في نفس السامع من المؤمنين الذين سمعوا ما في القرآن من وصف اختلاف بني إسرائيل وانحرافهم عن دينهم وشاهَد كثير منهم بني إسرائيل في زمانه غير متحلّين بما يناسب ما قامت به أيمتهم من الهداية فيودّ أن يعلم سبب ذلك فكان في هذه الآية جواب ذلك تعليماً للنبيء صلى الله عليه وسلّم وللمؤمنين.
والخطاب للنبيء والمراد أمتُه تحذيراً من ذلك وإيماءً إلى وجوب تجنب الاختلاف الذي لا يدعو إليه داع في مصلحة الأمة وفهم الدين.
والفصل: القضاء والحكم، وهو يقتضي أن اختلافهم أوقعهم في إبطال ما جاءهم من الهدى فهو اختلاف غير مستند إلى أدلة ولا جارٍ في مهيع أصل الشريعة؛ ولكنه متابعة للهوى وميل لأعراض الدنيا كما وصفه القرآن في آيات كثيرة في سورة البقرة وغيرها كقوله تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنا بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُا وَأُوالَا ئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (آل عمران: ١٠٥).
وليس منه اختلاف أيمة الدين في تفاريع الأحكام وفي فهم الدين مما لا ينقض أصوله ولا يخالف نصوصه وإنما هو إعمال لأصوله ولأدلته في الأحوال المناسبة لها وحمل متعارضها بعضه على بعض فإن ذلك كله محمود غير مذموم؛ وقد اختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم في حياته فلم يعنّف أحداً، واختلفوا بعد وفاته فلم يعنّف بعضهم بعضاً. ويشمل ما كانوا فيه يختلفون ما كان اختلافاً بين المهتدين والضالين منهم وما كان اتفاقاً من جميع أمتهم على الضلالة فإن ذلك خلاف بين المجمعين وبين ما


الصفحة التالية
Icon