" صفحة رقم ٢٥٥ "
القلبين أيضاً عبد الله بن خطل التيمي، وكان يسمى في الجاهلية عبد العزى وأسلم فسماه رسول الله ( ﷺ ) عبد الله ثم كفر وقتل صبراً يوم فتح مكة وهو الذي تعلق بأستار الكعبة فلم يعفُ عنه، فنفت الآية زعمهم نفياً عاماً، أي : ما جعل الله لأي رجل من الناس قلبين لا لجميل بن معمر ولا لابن خطل، فوقوع ) رجل ( وهو نكرة في سياق النفي يقتضي العموم، ووقوع فعل ) جعل ( في سياق النفي يقتضي العموم لأن الفعل في سياق النفي مثل النكرة في سياق النفي. ودخول ) مِن ( على ) قلبين ( للتنصيص على عموم قلبين في جوف رجل فدلت هذه العمومات الثلاثة على انتفاء كل فرد من أفراد الجعل لكل فرد مما يطلق عليه أنه قلبان، عن كل رجل من الناس، فدخل في العموم جميل بن معمر وغيره بحيث لا يدعى ذلك لأحد أيّاً كان.
ولفظ ) رجل ( لا مفهوم له لأنه أُريد به الإنسان بناء على ما تعارفوه في مخاطباتهم من نوط الأحكام والأوصاف الإنسانية بالرجال جرياً على الغالب في الكلام ما عدا الأوصاف الخاصة بالنساء يعلم أيضاً أنه لا يدعى لامرأة أن لها قلبين بحكم فحوى الخطاب أو لحن الخطاب.
والجعل المنفي هنا هو الجعل الجبلي، أي : ما خَلَق الله رجلاً بقلبين في جوفه وقد جعل إبطال هذا الزعم تمهيداً لإبطال ما تواضعوا عليه من جعْل أحدٍ ابناً لمن ليس هو بابنه، ومِن جَعْل امرأة أمّاً لمن هي ليست أمه بطريقة قياس التمثيل، أي أن هؤلاء الذين يختلقون ما ليس في الخلقة لا يتورعُون عن اختلاق ما هو من ذلك القبيل من الأبوة والأمومة، وتفريعهم كل اختلاقهم جميع آثار الاختلاق، فإن البنوة والأمومة صفتان من أحوال الخلقة وليستا مما يتواضع الناس عليه بالتعاقد مثل الولاء والحلف.
فأما قوله تعالى ) وأزواجه أمهاتهم ( ( الأحزاب : ٦ ) فهو على معنى التشبيه في أحكام البرور وحرمة التزويج ؛ ألا ترى ما جاء في الحديث :( أن رسول الله لما خطب عائشة من أبي بكر قال له أبو بكر : يا رسول الله إنما أنا أخوك، فقال رسول الله : أنت أخي وهي لي حلال )، أي أن الأخوة لا تتجاوز حالة المشابهة في النصيحة وحسن