" صفحة رقم ٢٦٢ "
للذين تبنوهم ؟ فأجيب ببيان أن ذلك القسط فاسم التفضيل مسلوب المفاضلة، أي : هو قسط كامل وغيره جورٌ على الآباء الحق والأدعياء، لأن فيه إضاعة أنسابهم الحق. والغرض من هذا الاستئناف تقرير ما دل عليه قوله ) وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ( ( الأحزاب : ٤ ) لتُعلم عناية الله تعالى بإبطال أحكام الجاهلية في التبنّي، ولتطمئن نفوس المسلمين من المتبنين والأدعياء ومن يتعلق بهم بقبول هذا التشريع الذي يشق عليهم إذ ينزع منهم إلفاً ألفوه.
ولهذا المعنى الدقيق فرع عليه قوله :( فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم، ( فجَمَع فيه تأكيداً للتشريع بعدم التساهل في بقاء ما كانوا عليه بعذر أنهم لا يعلمون آباء بعض الأدعياء، وتأنيساً للناس أن يعتاضوا عن ذلك الانتساب المكذوب اتصالاً حقاً لا يفوت به ما في الانتساب القديم من الصلة، ويتجافى به عما فيه من المفسدة فصاروا يدعون سالماً متبنى أبي حذيفة : سالماً مولى أبي حذيفة، وغيرَه، ولم يشذ عن ذلك إلا قول الناس للمقداد بن عمرو : المقداد بن الأسود، نسبة للأسود بن عبد يغوث الذي كان قد تبنّاه في الجاهلية كما تقدم.
قال القرطبي : لما نزلت هذه الآية قال المقدادُ : أنا المقداد بن عمرو، ومع ذلك بقي الإطلاق عليه ولم يسمع فيمن مضى من عصَّى مُطْلِقَ ذلك عليه ولو كان متعمداً اه. وفي قول القرطبي : ولو كان متعمداً، نظر، إذ لا تمكن معرفة تعمد من يُطلق ذلك عليه. ولعله جرى على ألسنة الناس المقدادُ بن الأسود فكان داخلاً في قوله تعالى :( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ( لأن ما جرى على الألسنة مظنة النسيان، والمؤاخذة بالنسيان مرفوعة.
وارتفاع ) إخوانُكم ( على الإخبار عن مبتدأ محذوف هو ضمير الأدعياء، أي : فهم لا يَعْدُون أن يوصفوا بالإخوان في الإسلام إن لم يكونوا مواليَ أو يوصفوا بالموالي إن كانوا مواليَ بالحلف أو بولاية العتاقة وهذا استقراء تام. والإخبار بأنهم إخوان وموال كناية عن الإرشاد إلى دعوتهم بأحد هذين الوجهين.
والواو للتقسيم وهي بمعنى ( أو ) فتصلح لمعنى التخيير، أي : فإن لم تعلموا