" صفحة رقم ٢٦٧ "
والأنفس : الذوات، أي : هو أحق بالتصرف في شؤونهم من أنفسهم في تصرفهم في شؤونهم. ومن هذا المعنى ما في الحديث الصحيح من قول عمر بن الخطاب للنبيء ( ﷺ ) ( لأنتَ أحبّ إليّ من كل شيء إلاّ من نفسي التي بين جنبَيّ ) فقال له النبي ( ﷺ ) ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه. فقال عمر : والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحبّ إليّ من نفسي ).
ويجوز أن يكون المراد بالأنفس مجموع نوعهم كقوله :( إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم ( ( آل عمران : ١٦٤ )، ويجوز أن يكون المراد بالأنفس الناس. والمعنى : أنه أولى بالمؤمنين من ولاية بعضهم لبعض، أي : من ولاية جميعهم لبعضهم على نحو قوله تعالى :( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ( ( البقرة : ٨٥ )، أي : يقتل بعضكم بعضاً، وقوله :( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ( ( النساء : ٢٩ ).
والوجه الأول أقوى وأعمّ في اعتبار حرمة النبي ( ﷺ ) وهو يفيد أولويته بمن عدا الأنفس من المؤمنين بدلالة فحوى الخطاب. وأما الاحتمال الثاني فإنه لا يفيد أنه أولى بكل مؤمن بنفس ذلك المؤمن إلا بدلالة قياس الأدْوَن، ولذلك استثنى عمر بن الخطاب بادىء الأمر نفسه فقال : لأنت أحب إليّ إلا مِن نفسي التي بين جنبيّ. وعلى كلا الوجهين فالنبي عليه الصلاة والسلام أولى بالمؤمنين من آبائهم وأبنائهم، وعلى الاحتمال الأول أولى بكل مؤمن من نفسه. وسننبه عليه عند قوله تعالى :( وأزواجه أمهاتهم ( فكانت ولاية النبي ( ﷺ ) بالمؤمنين بعد إبطال التبني سواء على جميع المؤمنين.
وفي الحديث :( ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرأوا إن شئتم ) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ولِما علمتَ من أن هذه الولاية راجعة إلى حرمته وكرامته تعلم أنها لا تتعدّى ذلك فيما هو من تصرفات الناس وحقوق بعضهم من بعض، مثل ميراث الميت من المسلمين فإن ميراثه لورثته، وقد