" صفحة رقم ٢٧٩ "
قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك ولا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرىً أو بَيْعاً، أفحين أكرَمَنا الله بالإسلام وأعزَّنا بك نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فأبطل رسول الله ( ﷺ ) ما كان عزم عليه.
وأرسل الله على جيش المشركين ريحاً شديدة فأزالت خيامهم وأكْفأت قدورَهم وأطفأت نيرانهم، واختلّ أمرهم، وهلك كراعهم وخُفهم، وحدث تخاذل بينهم وبين قريظة وظنت قريش أن قريظة صالحت المسلمين وأنهم ينضمون إلى المسلمين على قتال الأحزاب، فرأى أهل الأحزاب الرأي في أن يرتحلوا فارتحلوا عن المدينة وانصرف جيش المسلمين راجعاً إلى المدينة.
فقوله تعالى ) إذ جاءتكم جنودٌ ( ذُكر توطئة لقوله ) فأرسلنا عليهم ريحاً ( الخ لأن ذلك هو محلّ المِنّة. والريح المذكورة هنا هي ريح الصَّبا وكانت باردة وقلعت الأوتاد والأطناب وسفت التراب في عيونهم وماجت الخيل بعضها في بعض وهلك كثير من خيلهم وإبلهم وشائهم. وفيها قال النبي ( ﷺ ) ( نُصرتُ بالصَّبا وأُهلكتْ عاد بالدبور ).
والجنود التي لم يروها هي جنود الملائكة الذين أرسلوا الريح وألقوا التخاذل بين الأحزاب وكانوا وسيلة إلقاء الرعب في نفوسهم.
وجملة ) وكان الله بما تعملون بصيراً ( في موقع الحال من اسم الجلالة في قوله ) نعمة الله ( وهي إيماء إلى أن الله نصرهم على أعدائهم لأنه عليم بما لقيه المسلمون من المشقة والمصابرة في حفر الخندق والخروج من ديارهم إلى معسكرهم خارج المدينة وبذلهم النفوس في نصر دين الله فجازاهم الله بالنصر المبين كما قال ) ولينصُرَنّ الله مَنْ ينصره ( ( الحج : ٤٠ ).
وقرأ الجمهور ) بما تعملون بصيراً ( بتاء الخطاب. وقرأه أبو عمرو وحده بياء الغيبة ومحملها على الالتفات.
والجنود الأوُّل جمع جند، وهو الجمع المتّحد المتناصر ولذلك غلب على الجمع المجتمع لأجل القتال فشاع الجند بمعنى الجيش. وذكر جنود هنا بلفظ الجمع مع