" صفحة رقم ٢٨٦ "
فهذا الفريق منهم يعتلُّون بأن منازلهم بعيدة عن المدينة وآطامها.
والتأكيد بحرف ) إنَّ ( في قولهم ) إن بيوتنا عورة ( تمويه لإظهار قولهم ) بيوتنا عورة ( في صورة الصدق. ولما علموا أنهم كاذبون وأن النبي ( ﷺ ) يعلم كذبهم جعلوا تكذيبه إياهم في صورة أنه يشك في صدقهم فأكدوا الخبر.
وجملة ) وما هي بعورة إلى قوله مسؤول ( ( الأحزاب : ١٥ ) معترضة بين جملة ) يستأذن فريق منهم الخ وجملة لنينفعكم الفرار ( ( الأحزاب : ١٦ ). فقوله :( وما هي بعورة تكذيب لهم فإن المدينة كانت محصنة يومئذ بخندق وكان جيش المسلمين حارسها. ولم يقرن هذا التكذيب بمؤكد لإظهار أن كذبهم واضح غير محتاج إلى تأكيد.
موقع هذه الآية زيادة تقرير لمضمون جملة ) وما هي بعورة إنْ يريدون إلا فراراً ( ( الأحزاب : ١٣ ) فإنها لتكذيبهم في إظهارهم التخوف على بيوتهم، ومرادهم خذل المسلمين. ولم أجد فيما رأيت من كلام المفسرين ولا من أهل اللغة مَن أفصَحَ عن معنى ( الدُخول ) في مثل هذه الآية وما ذكروا إلاّ معنى الولوج إلى المكان مثل ولوج البيوت أو المدن، وهو الحقيقة. والذي أراه أن الدخول كثر إطلاقه على دخول خاص وهو اقتحام الجيش أو المغيرين أرضاً أو بلداً لغزْو أهله، قال تعالى :( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً إلى قوله : يا قوم ادخلوا الأرض المقدَّسة التي كتب الله لكم ولا ترتدُّوا على أدباركم ( ( المائدة : ٢١ )، وأنه يُعدّى غالباً إلى المغزوِّين بحرف على. ومنه قوله تعالى :( قال رجلان من الذين يخافون أنعَمَ الله عليهما ادْخُلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون إلى قوله : قالوا يا موسى إنّا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا ( ( المائدة : ٢٤ ) فإنه ما يصلح إلا معنى دخول القتال والحرب لقوله :( فإذا دخلتموه فإنكم غالبون لظهور أنه لا يراد : إذا دخلتم دخول ضيافة أو تَجول أو تجسس،