" صفحة رقم ٢٩١ "
و ) الموت، أريد به : الموت الزُؤام وهو الموت حتف أنفه لأنه قوبل بالقتل. والمعنى : أن الفرار لا يدفع الموت الذي علم الله أنه يقع بالفار في الوقت الذي علم أن الفار يموت فيه ويقتل فإذا خُيِّل إلى الفارّ أن الفرار قد دفع عنه خطراً فإنما ذلك في الأحوال التي علم الله أنها لا يصيب الفارَّ فيها أذى ولا بدّ له من موت حتف أنفه أو قتل في الإبان الذي علم الله أنه يموت فيه أو يُقتل. ولهذا عقب بجملة وإذاً لا تمتعون إلا قليلاً ( جواباً عن كلام مقدر دل عليه المذكور، أي إن خيل إليكم أن الفرار نفع الذي فرّ في وقت ما فما هو إلاّ نفع زهيد لأنه تأخير في أجل الحياة وهو متاع قليل، أي : إعطاء الحياة مدة منتهية، فإن ) إذن ( قد تكون جواباً لمحذوف دل عليه الكلام المذكور، كقول العنبري :
لو كنت من مأزن لم تستبح إبلي
بنو اللقيطة من ذهل بن شيبان
إذنْ لقام بنصري معشر خشن
عند الحفيظة إنْ ذو لَوْثَة لاَنا
فإن قوله : إذن لقام بنصري، جواب وجزاء عن مقدر دل عليه : لم تستبح إبلي. والتقدير : فإن استباحوا إبلي إذَنْ لقام بنصري معشر، وهو الذي أشعر كلام المرزوقي باختياره خلافاً لما في ( مغني اللبيب ).
والأكثر أن ) إذن ( إن وقعت بعد الواو والفاء العاطفتين أن لا ينصب المضارع بعدها، وورد نصبه نادراً.
والمقصود من الآية تخليق المسلمين بخُلق استضعاف الحياة الدنيا وصرف هممهم إلى السعي نحو الكمال الذي به السعادة الأبدية سيراً وراء تعاليم الدين التي تقود النفوس إلى أوج الملَكية.
يظهر أن هذه الجملة واقعة موقع التعليل لجملة ) لن ينفعكم الفرار إن فررتم الآية ( ( الأحزاب : ١٦ )، فكأنه قيل : فمن ذا الذي يعصمكم من الله، أي : فلا عاصم