" صفحة رقم ٢٩٩ "
ورتب على انتفاء إيمانهم أن الله أحبط أعمالهم.
والإحباط : جعل شيء حَابطاً، فالهمزة فيه للجَعْل مثل الإذهاب. والحَبْط حقيقته : أنه فساد ما يراد به الصلاح والنفع. ويطلق مجازاً على إفساد ما كان نافعاً أو على كون الشيء فاسداً ويظن أنه ينفع يقال : حَبِط حَقُّ فلان، إذا بطل. والإطلاق المجازي ورد كثيراً في القرآن. وفعله من بابَي سَمِع وضَرَب. ومصدره : الحَبْط، واسم المصدر : الحُبُوط. ويقال : أحبط فلان الشيء، إذا أبطله، ومنه إحباط دم القتيل، أي : إبطال حق القود به. فإحباط الأعمال : إبطال الاعتداد بالأعمال المقصود بها القُربة والمظنون بها أنها أعمال صالحة لمانع منع من الاعتداد بها في الدين.
وقد صار لفظ الحبط والحبوط من الألفاظ الشرعية الاصطلاحية بين علماء الفقه والكلام، فأطلق على عدم الاعتداد بالأعمال الصالحة بسبب الردة، أي : الرجوع إلى الكفر، أو بسبب زيادة السيئات على الحسنات بحيث يستحق صاحب الأعمال العذاب بسبب زيادة سيئاته على حسناته بحسب ما قدر الله لذلك وهو أعلم به، ومن هذه الجهة عُدّت مسألة الحبوط مع المسائل الكلامية، أو بحيث ينظر في انتفاعه بما فعل من الواجبات عليه إذا ارتد عن الإسلام ثم عاد إلى الإسلام كمن حج ثم ارتد ثم رجع إلى الإسلام، ومن هذه الجهة تُعد مسألة الحبوط في مسائل الفقه، فقال مالك وأبو حنيفة : الردةُ تُحبط الأعمال بمجرد حصولها فإذا عاد إلى الإسلام وكان قد حجّ مثلاً قبل ردّته وجبت عليه إعادة الحج تمسكاً بإطلاق هذه الآية إذ ناطت الحُبوط بانتفاء الإيمان، ولم يريا أن هذا مما يحمل فيه المطلق على المقيّد احتياطاً لأن هذا الحكم راجع إلى الاعتقادات ولا يكفي فيها الظن. وقال الشافعي : إذا رجع إلى الإسلام رجعتْ إليه أعماله الصالحة التي عمِلها قبل الردة تمسكاً بقوله تعالى : ومَن يرتدِدْ منكم عن دينه فيمُت وهو كَافر فأولئك حبِطَتْ أعمالُهُم في الدُّنيا والآخرة في سورة البقرة حملاً للمطلق في آية سورة الأحزاب ونحوها على المقيّد في آية سورة البقرة تغليباً للجانب الفروعي في هذه المسألة على الجانب الاعتقادي.