" صفحة رقم ٣٠٤ "
لما ذكرت أقوال المنافقين والذين في قلوبهم مرض المؤذنة بما يداخل قلوبهم من الخوف وقلة الإيمان والشك فيما وعد الله به رسوله ( ﷺ ) والمؤمنين من النصر ابتداء من قوله ) وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ( ( الأحزاب : ١٢ ) قوبلت أقوال أولئك بأقوال المؤمنين حينما نزلت بهم الأحزاب ورأوا كثرتهم وعددهم وكانوا على بصيرة من تفوقهم عليهم في القوة والعدد أضعافاً وعلموا أنهم قد ابتلوا وزلزلوا، كل ذلك لم يُخِرْ عزائمهم ولا أدخل عليهم شكاً فيما وعدهم الله من النصر.
وكان الله وعدهم بالنصر غير مرة منها قوله في سورة البقرة ) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مَسَّتْهُمُ البأساءُ والضَّراءُ وزُلْزِلُوا حتى يقولُ الرسول والذين ءامنوا معه مَتَى نصرُ الله ألا إن نصر الله قريب ( ( البقرة : ٢١٤ ). فلما رأى المسلمون الأحزاب وابتُلوا وزُلْزِلوا ورأوا مثل الحالة التي وصفت في تلك الآية علموا أنهم منصورون عليهم، وعلموا أن ذلك هو الوعد الذي وعدهم الله بآية سورة البقرة. وكانت آية البقرة نزلت قبل وقعة الأحزاب بعام، كذا روي عن ابن عباس، وأيضاً فإن النبي ( ﷺ ) أخبر المسلمين : أن الأحزاب سائرون إليكم بعد تسع أو عشر، فلما رأى المؤمنون الأحزاب وزُلزلوا راجعهم الثبات الناشىء عن قوة الإيمان وقالوا :( هذا ما وعدنا الله ورسوله، ( أي : من النظر ومن الإخبار بمسير الأحزاب وصدَّقوا وعد الله إياهم بالنصر وإخبار النبي ( ﷺ ) بمسير الأحزاب، فالإشارة ) بهذا ( إلى ما شاهدوه من جيوش الأحزاب وإلى ما يتبع ذلك من الشدة والصبر عليها وكل ذلك وعد الله ورسوله ( ﷺ ) ثم أخبروا عن صدق الله ورسوله عليه الصلاة والسلام فيما أخبرا به وصدَقوا الله فيما وعدهم من النصر خلافاً لقول المنافقين :( ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غروراً ( ( الأحزاب : ١٢ ) فالوعد راجع إلى الأمرين والصدق كذلك.
والوعد : إخبار مخبر بأنه سيعمل عملاً للمُخبَر بالفتح.
ففعل ) صدق ( فيما حكي من قول المؤمنين ) وصدق الله ورسوله (


الصفحة التالية
Icon