" صفحة رقم ٣٠٨ "
بما عاهد عليه من الجهاد كقول أنس بن النضرْ حين لم يشهد بدراً مع رسول الله ( ﷺ ) فكبُر ذلك عليه وقال : أولُ مشهد شَهده رسول الله غبت عنه، أما والله لئن أراني الله مَشهداً مع رسول الله ( ﷺ ) فيما بعد ليرَيَّن الله ما أصنع فشهد أُحُداً وقاتل حتى قُتل. ومثل الذين شهدوا أيام الخندق فإنهم قَضَوْا نحبهم يوم قريظة.
وقد حمل بعض المفسرين ) قضَى نحبه ( في هذه الآية على معنى الموت في الجهاد على طريقة الاستعارة بتشبيه الموت بالنذر في لزوم الوقوع، وربما ارتقى ببعض المفسرين ذلك إلى جعل النحب من أسماء الموت، ويمنع منه ما ورد في حديث الترمذي أن النبي ( ﷺ ) قال في طلحة بن عبيد الله :( إنه ممن قَضَى نَحْبَه )، وهو لم يمت في حياة رسول الله ( ﷺ )
وأما قوله ) وما بدلوا تبديلاً ( فهو في معنى ) صدقُوا ما عاهدوا الله عليه ( وإنما ذكر هنا للتعريض بالمنافقين الذين عاهدوا الله لا يولُّون الأدبار ثم ولوا يوم الخندق فرجعوا إلى بيوتهم في المدينة. وانتصب ) تبديلاً ( على أنه مفعول مطلق موكِّد ل ) بدّلوا ( المنفي. ولعل هذا التوكيد مسوق مساق التعريض بالمنافقين الذين بدّلوا عهد الإيمان لما ظنوا أن الغلبة تكون للمشركين.
لام التعليل يتنازعه من التعلق كل من ) صدقوا ( و ) ما بَدلوا ( ( الأحزاب : ٢٣ ) أي : صدق المؤمنون عهدهم وبدَّله المنافقون ليجزي الله الصادقين ويعذّب المنافقين.
ولام التعليل بالنسبة إلى فعل ) ليجزي الله الصادقين ( مستعمل في حقيقة معناه، وبالنسبة إلى فِعل ) ويُعذب ( مستعار لمعنى فاء العاقبة تشبيهاً لعاقبة فعلهم بالعلة الباعثة على ما اجترحُوه من التبديل والخيس بالعهد تشبيهاً يفيد عنايتهم بما فعلوه من التبديل حتى كأنهم ساعون إلى طلب ما حَقَّ عليهم من


الصفحة التالية
Icon