" صفحة رقم ٣١٣ "
وتقديم المفعول في ) فريقاً تقتلون ( للاهتمام بذكره لأن ذلك الفريق هم رجال القبيلة الذين بقتلهم يتم الاستيلاء على الأرض والأموال والأسرى، ولذلك لم يقدم مفعول ) تأسرون ( إذ لا داعي إلى تقديمه فهو على أصله.
وقوله ) وأرضاً لم تطؤوها ( أي : تنزلوا بها غزاةً وهي أرض أُخرى غير أرض قريظة وصفت بجملة ) لم تَطَؤُوها ( أي : لم تمشوا فيها. فقيل : إن الله بشرهم بأرض أخرى يرثونها من بعد. قال قتادة : كنا نحدث أنها مكة. وقال مقاتل وابن رومان : هي خيبر، وقيل : أرض فارس والروم. وعلى هذه التفاسير يتعين أن يكون فعل ) أورثكم ( مستعملاً في حقيقته ومجازه ؛ فأما في حقيقته فبالنسبة إلى مفعوله وهو ) أرضهم وديارهم وأموالهم، ( وأما استعماله في مجازه فبالنسبة إلى تعديته إلى ) أرضاً لم تطؤوها، ( أي : أن يورثكم أرضاً أخرى لم تطؤوها، من باب :( أتى أمر الله ( ( النحل : ١ ) أو يُؤوَّل فعل ) أورثكم ( بمعنى : قَدَّر أن يُوَرِّثكم. وأظهر هذه الأقوال أنها أرض خيبر فإن المسلمين فتحوها بعد غزوة قريظة بعام وشهر. ولعلّ المخاطبين بضمير ) أورثكم ( هم الذين فتحوا خيبر لم ينقص منهم أحد أو فقد منه القليل ولأن خيبر من أرض أهل الكتاب وهم ممن ظاهروا المشركين فيكون قصدُها من قوله ) وأرضاً ( مناسباً تمام المناسبة.
وفي التذييل بقوله ) وكان الله على كل شيء قديراً ( إيماء إلى البشارة بفتح عظيم يأتي من بعده.
وعندي : أن المراد بالأرض التي لم يَطؤوها أرض بني النضير وأن معنى ) لم تطؤوها ( لم تفتحوها عنوة، فإن الوطء يطلق على معنى الأخذ الشديد، قال الحارث بن وَعْلَة الذهلي :
وطَأَتَنا وَطْئاً على حَنَق
وَطْءَ المقيَّد نابت الهَرْم
ومنه قوله تعالى :( ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ لم تعلموهم أن تطؤوهم ( ( الفتح : ٢٥ )، فإن أرض بني النضير كانت مما أفاء الله على رسوله من غير إيجاف.