" صفحة رقم ٤٥ "
( أما أنهم سيَغلبون ) ( ونزلت هذه الآية فخرج أبو بكر الصديق يصيح في نواحي مكة ) ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ( ( الروم : ١ ٣ ) فقال ناس من قريش لأبي بكر : فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبكم أن الروم ستغلِب فارسَ في بضع سنين أفلا نراهنك على ذلك قال : بلى وذلك قبل تحريم الرهان وقالوا لأبي بكر : كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين فسمِّ بيننا وبينك وسطاً ننتهي إليه. فسمّى أبو بكر لهم سِت سنين فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان فمضت ست السنين قبل أن يظهر الروم فأخذ المشركون رهن أبي بكر. وقال رسول الله ( ﷺ ) لأبي بكر :( ألا أخفضت يا أبا بكر، ألا جعلته إلى دون العشر فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع ). وعَاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين وأسلم عند ذلك ناس كثير. وذكر المفسرون أن الذي راهن أبا بكر هو أُبَيّ بنُ خلف، وأنهم جعلوا الرهان خمسَ قلائص، وفي رواية أنهم بعد أن جعلوا الأجَل ستة أعوام غيروه فجعلوه تسعة أعوام وازدادوا في عدد القلائص، وأن أبا بكر لما أراد الهجرة مع النبي ( ﷺ ) تعلق به أُبي بن خلف وقال له : أعطني كفيلاً بالخَطَر إن غُلِبْتَ، فكفل به ابنه عبد الرحمن، وكان عبد الرحمن أيامئذ مشركاً باقياً بمكة. وأنه لما أراد أُبي بن خلف الخروج إلى أُحُد طلبه عبد الرحمن بكفيل فأعطاه كفيلاً. ثم مات أُبي بمكة من جرح جَرحَه النبي ( ﷺ ) فلما غلَب الروم بعد سبع سنين أخذ أبو بكر الخطَر من ورثة أبي بن خلف. وقد كان تغلب الروم على الفرس في سنة ست وورد الخبر إلى المسلمين. وفي حديث الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال :( لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين ). والمعروف أن ذلك كان يوم الحديبية. وقد تقدم في أول السورة أن المدة بين انهزام الروم وانهزام الفرس سبع سنين بتقديم السّين وأن ما وقع في بعض الروايات أنها تسع هو تصحيف. وقد كان غلب الروم على الفرس في سلطنة هرقل قيصر الروم، وبإثره جاء هرقل إلى بلاد الشام ونزل حِمص ولقي أبا سفيان بن حرب في رهط من أهل مكة جاءوا تجاراً إلى الشام.
واعلمْ أن هذه الرواية في مخاطرة أبي بكر وأُبي بن خلف وتقرير النبي ( ﷺ ) إياها احتج بها أبو حنيفة على جواز العقود الربوية مع أهل الحرب. وأما الجمهور