" صفحة رقم ٤٩ "
الإجمال. وتفصيله من كون ذلك أمراً لا ارتياب فيه وأنه وعد الله الصادق الوعد القادر على نصر المغلوب فيجعله غالباً، فاستدرك بأن مراهنة المشركين على عدم وقوعه نشأت عن قصور عقولهم فأحالوا أن تكون للروم بعد ضعفهم دَولة على الفرس الذين قهروهم في زمن قصير هو بضع سنين ولم يعلموا أن ما قدره الله أعظم.
فالمراد ب ) أكثر الناس ( ابتداءً المشركون لأنهم سمعوا الوعد وراهنوا على عدم وقوعه. ويشمل المرادُ أيضاً كلَّ من كان يَعُد انتصار الروم على الفرس في مثل هذه المدة مستحيلاً، من رجال الدولة ورجال الحرب من الفرس الذين كانوا مزدهين بانتصارهم، ومن أهل الأمم الأخرى، ومن الروم أنفسهم، فلذلك عبر عن هذه الجمهرة ب ) أكْثَر النَّاس ( بصيغة التفضيل. والتعريف في ) النَّاس ( للاستغراق.
ومفعول ) يَعْلَمُون ( محذوف دل عليه قوله ) سيغلبون في بضع سنين ( ( الروم : ٣، ٤ ). فالتقدير : لا يعلمون هذا الغلب القريب العجيب. ويجوز أن يكون المرادُ تنزيل الفعل منزلة اللازم بأن نزلوا منزلة من لا علم عندهم أصلاً لأنهم لما لم يصلوا إلى إدراك الأمور الدقيقة وفهم الدلائل القياسية كان ما عندهم من بعض العلم شبيهاً بالعَدَم إذ لم يبلغوا به الكمال الذي بلغه الراسخون أهل النظر، فيكون في ذلك مبالغة في تجهيلهم وهو مما يقتضيه المقام.
ولما كان في أسباب تكذيبهم الوعد بانتصار الروم على الفرس بعد بضع سنين أنهم يعدون ذلك محالاً، وكان عدهم إياهم كذلك من التباس الاستبعاد العادي بالمُحال، مع الغفلة عن المقادير النادرة التي يقدرها الله تعالى ويقدر لها أسباباً ليست في الحسبان فتأتي على حسب ما جرى به قدره لا على حسب ما يقدره الناس، وكان من حق العاقل أن يفرض الاحتمالات كلَّها وينظر فيها بالسَبْر والتقييم، أنحى الله ذلك عليهم بأن أعقب إخباره عن انتفاء علمهم صدق وعد القرآن، بأن وصف حالة علمهم كلَّها بأن قُصارى تفكيرهم منحصر في ظواهر الحياة الدنيا غير المحتاجة إلى النظر العقلي وهي المحسوسات والمجربات