" صفحة رقم ٥٢ "
كقول عمر يوم السقيفة :( وكُنت زوّقت في نفسي مقالة ) أي في عقلي وباطني.
وحرف ) في ( من قوله ) فِي أنْفُسهم ( يجوز أن يكون للظرفية الحقيقية الاعتبارية فيكون ظرفاً لمصدر ) يَتَفَكَرُّوا، أي تفكراً مستقراً في أنفسهم. وموقع هذا الظرف مما قبله موقع معنى الصفة للتفكر. وإذ قد كان التفكر إنما يكون في النفس فذكر في أنفسهم لتقوية تصوير التفكر وهو كالصفة الكاشفة لتقرر معنى التفكر عند السامع، كقوله ولاَ تخطّهُ بِيَمِينك ( ( العنكبوت : ٤٨ ) وقوله ) ولاَ طَائِر يَطِير بِجَنَاحَيه ( ( الأنعام : ٣٨ )، وتكون جملة ) مَا خَلَقَ الله السَّمَاوات والأرْض ( الخ على هذا مُبينة لجملة ) يَتَفَكَرُّوا إذ مدلولها هو ما يتفكرون فيه كقوله تعالى : أمْ يَتَفَكَّروا ما بِصَاحبهم من جنة ( ( الأعراف : ١٨٤ ).
ويجوز أن يكون ) في ( للظرفية المجازية متعلقة بفعل ) يَتَفكروا تعلق المفعول بالفعل، أي يتدبروا ويتأملوا في أنفسهم. والمراد بالأنفس الذوات فهو في معنى قوله تعالى وفي أنْفُسكم أفَلا تُبْصِرون ( ( الذاريات : ٢١ ) ؛ فإن حق النظر المؤدّي إلى معرفة الوحدانية وتحقق البعث أن يبدأ بالنظر في أحوال خلقة الإنسان قال تعالى :( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا تُرجعون ( ( المؤمنون : ١١٥ ) وهذا كقوله تعالى :( أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض ( ( الأعراف : ١٨٥ ) أي في دلالة ملكوت السماوات والأرض، وتكون جملة ) مَا خَلَق الله السماوَات والأرْض ( الخ على هذا التفسير بدل اشتمال من قوله ) أنْفُسهم ( إذ الكلام على حذف مضاف، تقديره : في دلالة أنفسهم، فإن دلالة ) أنفُسهم ( تشتمل على دلالة خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق لأن ) أنفُسهم ( مشمولة لما في الأرض من الخلق ودالة على ما في الأرض، وكذلك يطلق ما في الأرض دال على خلق أنفسهم.
وعلى الاحتمالين وقع تعليق فعل ) يَتَفَكَّروا ( عن العمل في مفعولين لوجود النفي بعده. ومعنى ) خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق : أن خلقهم ملابسٌ للحق.
والحق هنا هو ما يحق أن يكون حِكمة لِخلق السماوات والأرض وعلة له، وحق كل ماهية ونوع هو ما يحق أن يتصرف به من الكمال في خصائصه وأنه به