" صفحة رقم ٧٨ "
ومن الحكم الإلهية في كون البرق مرئياً أن ذلك يثير في النفوس خوفاً من أن يكون الله سلطه عقاباً وطمعاً في أن يكون أراد به خيراً للناس فيطمعون في نزول المطر، ولذلك أعقبه بقوله ) وينزِّل من السماء ماء ( فإن نزول المطر مما يخطر بالبال عند ذكر البرق.
وقوله ) من آياته ( جار ومجرور يحتاج إلى تقدير كوننٍ إن كان ظرفاً مستقراً، أو إلى متعلَّق إن كان ظرفاً لغواً. وموقع هذا الجار والمجرور في هذه الآية وارد على مثل مواقع أمثاله في الآيات السابقة واللاحقة الشبيهة بها، وذلك مما يدعو إلى اعتبار ما يذكر بعد الجار والمجرور في معنى مبتدأ مخبَر عنه بالجار والمجرور المقدم عليه حملاً على نظائره، فيكون المعنى : ومن ءاياته إراءته إياكم البَرق الخ. فلذلك قال أيمة النحو : يجوز هنا جعل الفعل المضارع بمعنى المصدر من غير وجود ( أن ) ولا تقديرها، أي من غير نصب المضارع بتقدير ( أن ) محذوفة، وجعلوا منه قول عُروة بن الوَرْد :
وقالوا ما تشاء فقلت ألهو
إلى الإصباح آثر ذي آثار
وقول طرفة :
ألا أيهذا الزاجري احضُر الوغى
وجعلوا منه قوله تعالى ) قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ( ( الزمر : ٦٤ ) برفع ) أعبد ( في مشهور القراءات، وقولهم في المثل : تسمع بالمعيديّ خيرٌ من أن تراه، وقول النبي ( ﷺ ) ( كلَّ يوم تطلُع فيه الشمس تعدِل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو تحمل عليها متاعه صدقة ) وقوله فيه :( وتميط الأذى عن الطريق صدقة ) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
ومن بديع الاستعمال تفنن هذه الآيات في التعبير عن معاني المصدر بأنواع صيغه الواردة في الاستعمال، من تعبير بصيغة صريح المصدر تارة كقوله ) ومن آياته خلق السماوات والأرض ( ( الروم : ٢٢ ) وقوله ) وابتغاؤكم من فضله ( ( الروم : ٢٣ )، وبالمصدر الذي ينسبك من اقتران ) أن ( المصدرية بالفعل الماضي ) أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً ( ( الروم : ٢١ ) واقترانها بالفعل المضارع ) ومن ءاياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ( ( الروم : ٢٥ )،


الصفحة التالية
Icon