" صفحة رقم ٨٦ "
والشركاء : جمع شريك، وهو المشارك في المال لقوله ) فيما رزقناكم، ( والفاء للتفريع على الشركة، أي فتكونوا متساوين فيما أنتم فيه شركاء.
وجملة ) تخافونهم ( في موضع الحال من ضمير الفاعل في ) سواء. ( والخوف : انفعال نفساني ينشأ من توقع إصابة مكروه يبقى، وهو هنا التوقي من التفريط في حظوظهم من الأرزاق وليس هو الرعب بقرينة قوله ) كخيفتكم أنفسكم، ( أي كما تتوقون أنفسكم من إضاعة حقوقكم عندهم.
والأنفس الثاني بمعنى : أنفس الذين لهم شركاء مما ملكت أيمانهم من المخاطبين لأنهم بعض المخاطبين.
وهذا المثل تشبيه هيئة مركبة بهيئة مركبة ؛ شبهت الهيئة المنتزعة من زعم المشركين أن الأصنام شركاء لله في التصرف ودافعون عن أوليائهم ما يريده الله من تسلط عقاب أو نحوه إذ زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله وهم مع ذلك يعترفون بأنها مخلوقة لله فإنهم يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك. هذه الهيئة شبهت بهيئة ناس لهم عبيد صاروا شركاء في أرزاق سادتهم شركة على السواء فصار سادتهم يحذرون إذا أرادوا أن يتصرفوا في تلك الأرزاق أن يكون تصرفهم غير مرضي لعبيدهم، وهذا التشبيه وإن كان منصرفاً لمجموع المركب من الهيئتين قد بلغ غاية كمال نظائره إذ هو قابل للتفريق في أجزاء ذلك المركب بتشبيه مالك الخلق كلهم بالذين يملكون عبيداً، وتشبيه الأصنام التي هي مخلوقة لله تعالى بمماليك الناس، وتشبيه تشريك الأصنام في التصرف مع الخالق في ملكه بتشريك العبيد في التصرف في أرزاق سادتهم، وتشبيه زعمهم عدول الله عن بعض ما يريده في الخلق لأجل تلك الأصنام، وشفاعتها بحذر أصحاب الأرزاق من التصرف في حظوظ عبيدهم الشركاء تصرفاً يأبَوْنه. فهذه الهيئة المشبه بها هيئة قبيحة مشوهة في العادة لا وجود لأمثالها في عرفهم فكانت الهيئة المشبهةُ منفيةً منكَرة، ولذلك أدخل عليها استفهام الإنكار والجحود ليُنتج أن الصورة المزعومة للأصنام صورة باطلة بطريق التصوير والتشكيل إبرازاً لذلك المعنى الاعتقادي الباطل في الصورة المحسوسة المشوهة الباطلة.